الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
70 - رقم الاستشارة : 1169
01/03/2025
أنا راجل في الخمسينات، عايش في نعم ربنا وفضله رغم بعض الابتلاءات، والحمد لله راضي بكل اللي قسمهولي. طول حياتي ماشي بين الطاعة والمعصية، بحافظ على الفرايض قد ما أقدر وبحاول أبعد عن الذنوب، بس ساعات بضعف وبقع في بعضها. أكتر حاجة بتخوفني جدًا هي التفكير في الموت، خصوصًا لحظة دخول القبر واللي بيحصل فيه. الخوف ده مأثر عليا، ونفسي أطمّن وأحس براحة. إزاي أقدر أهدّي قلبي وأطمن من ناحية دي؟ وهل ينفع أدعي ربنا إنه ينجيني من أهوال القبر؟
أخي الكريم، مرحبًا بك، وأسأل الله أن يبارك لك في عمرك، ويزيدك من فضله، ويرزقك السكينة والطمأنينة. كل عام وأنت بخير، وأسأل الله أن يجعلنا وإياك من المقبولين عنده، وبعد...
فإن الخوف من الموت ودخول القبر إحساس طبيعي فُطِرَ عليه الإنسان؛ لأن هذه مرحلة غيبية لا نملك عنها إلا ما أخبرنا به الله -عز وجل- في كتابه، وما بيَّنه لنا نبيه ﷺ؛ لكن هذا الخوف ينبغي ألا يتحول إلى قلق يسرق منك راحة القلب، بل يجب أن يكون دافعًا للعمل الصالح، واللجوء إلى الله طلبًا للأمن والنجاة.
أخي الحبيب، إن الموت ليس نهاية، بل هو بداية للحياة الحقيقية، قال الله تعالى: (وَمَا هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌۭ وَلَعِبٌۭ ۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلْـَٔاخِرَةَ لَهِىَ ٱلْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64].
والمؤمن الصادق يعلم أن القبر ليس مرعبًا لمن أطاع الله وسار على درب الهداية، فقد وعد الله أولياءه بالأمان، قال عز وجل: (إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُوا۟ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا۟ وَلَا تَحْزَنُوا۟ وَأَبْشِرُوا۟ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت: 30]. وقال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
وأقترح عليك في السطور التالية بعضًا من الوسائل التي يهدأ بها قلبك ويطمئن:
1- حُسن الظن بالله:
الله أرحم بك من نفسك، ولا يعذب عباده المؤمنين بغير جريرة تستدعي هذا وفق حكمته العلية؛ بل هو الغفور الودود، قال النبي ﷺ: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» [رواه مسلم]. فاجعل في قلبك يقينًا بأن الله لن يضيّعك أبدًا.
2- المداومة على الأعمال الصالحة:
وإن كانت قليلة، فالمهم هو الاستمرار، لأنها رصيدك عند الله، والذي كلما زاد زادت فرصك في دخول الجنة والنجاة من عذابَي القبر والنار، وازداد اطمئنانك، وفرحك بلقاء الله. قال النبي ﷺ: «مَن أَحبَّ لقاءَ الله أحَبَّ الله لقاءه» [رواه البخاري].
3- التفكر في نعيم الآخرة:
اقرأ القرآن، وتأمل في آيات وصف الجنة ونعيمها، وما أعده الله لعباده المتقين، فهذا مما يملأ القلب بالراحة والطمأنينة، مع العمل.
4- الإكثار من ذكر الله:
فالذِّكر يحيي القلب ويطمئنه، قال الله تعالى: (ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ ٱللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
5- الدعاء للنجاة من أهوال القبر
وقد سألت عن إمكانية الدعاء بأن ينجيك الله من أهوال القبر؛ وأجيبك: نعم، يمكنك الدعاء بأن ينجِّيك الله من عذاب القبر وفتنته، بل هو مستحب ومسنون عن النبي ﷺ، وقد كان يدعو دُبر كل صلاة بعد التشهد وقبل التسليم: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» [رواه مسلم]. كما يمكنك أن تكثر من هذا الدعاء الطيب: «اللهم اجعل قبري روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار».
وختامًا -أخي الحبيب- ثق برحمة الله، واعلم أن الخوف من الموت وأهوال القبر يجب أن يدفعك إلى العمل لا إلى القلق. استعن بالله، وأكثر من الدعاء، وعش حياتك بطمأنينة، وتذكَّر أن الله أرحم بك مما تتخيل. أسأل الله أن يجعل لك من كل خوفٍ أمنًا، ومن كل ضيقٍ فرجًا، وأن يرزقك حسن الخاتمة، ويرزقنا وإياك الفردوس الأعلى بغير حساب.