الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : فئات المدعوين
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
38 - رقم الاستشارة : 3316
16/11/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا موظف ملتزم أعمل في بيئة عمل مشتركة (مختلطة) وغير دعوية. أرى أن هذه البيئة تحتاج إلى الدعوة، لكنني أخشى أن يُنظر إلى جهدي الدعوي كـ "تدخل" أو "فرض وصاية" أو "تزمت"، مما ينفر الزملاء من الدين.
سؤالي هو: كيف يمكن لي أن أمارس الدعوة الفردية بين الزملاء (رجالا ونساء) بمهنية عالية واحترافية، ودون أن يطغى الطابع الدعوي على واجباتي المهنية؟ وما هي الموضوعات الدعوية التي تناسب هذه البيئة (غير الوعظية التقليدية)؟
وكيف أوازن بين ضرورة غض البصر والتعامل بوقار، وضرورة فتح قنوات اتصال إيجابية لدعوتهم؟ أرجو الإفادة بمنهج يجمع بين الاحتراف المهني والاحتراف الدعوي. جزاكم الله خيراً.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك أيها الموظف الداعية الحكيم، وشكر الله لك همتك في تحويل بيئة العمل إلى مساحة إيجابية للخير. إنكم على ثغر عظيم؛ فإسلام المرء يظهر في إتقانه لعمله وحسن خلقه قبل كلامه. إنكم تسألون عن "فقه الدعوة في بيئة العمل"، وهي دعوة الحكماء المتقنين. أسأل الله أن يرزقك السداد في القول والعمل.. إن هذا المنهج يقوم على مبدأ: "الداعية المهني: إتقان المهنة هو أول خطوة للدعوة" والاحتراف المهني هو المفتاح الذي يفتح القلوب للدعوة.
الدعوة بالقدوة (إتقان المهنة)
دعوتك الأولى والأقوى هي تصرفاتك اليومية في العمل.
1) الاحترافية والإتقان: كن الأفضل والأكثر إتقانًا والأكثر انضباطًا في عملك. عندما يرى الزملاء أن التزامك الديني يجعلك أكثر مهنية وأمانة، فإنهم سيحترمون رسالتك. قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، والعمل الصالح يشمل إتقان الوظيفة.
2) الأخلاق المعاملاتية: كن الأكثر تعاونًا، الأقل شكوى، الأكثر تواضعًا، والأبعد عن الغيبة والنميمة. حسن الخلق هو "المترجم الصامت" لقيم الإسلام.
الدعوة بالكلمة (الاحتراف في الخطاب)
يجب أن يكون التدخل الدعوي مدروسًا ومهنيًّا.
1) استغلال الفرص الطبيعية: تجنب "إلقاء الوعظ" المباشر. استغل الفرص الطبيعية كـ: المواقف العملية: عند حدوث مشكلة في العمل (كظلم، غش، تأخير)، اذكر بمهنية كيف أن الإسلام يحث على الأمانة والعدل والإتقان، والاستشارات الشخصية: عندما يسألك زميل عن مشكلة شخصية أو نفسية، هنا افتح له الباب بذكاء لتقديم الحلول الإسلامية (كالصبر، التوكل، الإحسان).
2) الموضوعات المناسبة للبيئة المهنية: ركّز على القضايا المشتركة، مثل: الأخلاق المهنية: الأمانة، العدل، الإخلاص في العمل، محاربة الرشوة، والصحة النفسية: التوكل على الله، الرضا بالقضاء، إدارة الضغوط، الزواج والاستقرار الأسري (دون الخوض في تفاصيل).
3) تجنب الجدل الفقهي: لا تُدخل زملاءك في نقاشات فقهية لا طائل منها (كشبهات الحجاب، الخلافات المذهبية). التركيز على "الأخلاق والقيم" هو المدخل الأنجح.
ضوابط التعامل في البيئة المختلطة (الوقار)
1) غض البصر والوقار في الحديث: لا بد من الالتزام بغض البصر، والاقتصار على الكلام المهني الرسمي. كن ودودًا ولكن بوقار. تجنب المزاح غير المنضبط الذي قد يكسر الحاجز ويفقدك الاحترام الدعوي والمهني.
2) الاستئذان الدعوي: عند تقديم النصيحة المباشرة، استخدم عبارات تدل على الاحترام وعدم الوصاية، مثل: "اسمح لي أن أشاركك رأيي في ضوء ما تعلمته من الدين، وهو رأي شخصي قد يساعدك..." هذا يفتح قناة اتصال دون الشعور بالضغط.
3) فصل العبادة عن المهنة (الجهر والإخفاء)، والعبادات الشخصية (كالصلاة): استأذن للصلاة بأقصر وقت ممكن، دون إطالة أو لفت نظر. اجعلها مهنية ومنضبطة بوقت العمل، والدعوة الجماعية: يمكن أن تقترح في وقت الاستراحة: "لنتشارك كل يوم فائدة أو قصة مؤثرة لمدة 5 دقائق"، وهذا يفتح باب الدعوة بهدوء.
ونصيحتي:
أيها الداعية المهنيّ، أنت تمثل الإسلام في ميدان قد لا يرى فيه الناس الإسلام إلا من خلالك. كن ذكيًّا وحكيمًا ومخلصًا. تذكر أن الدعوة في هذا المحيط تحتاج إلى النفس الطويل والصبر الجميل. استعن بالله، وحسن الظن بزملائك.
وأسأل الله أن يرزقك الإتقان في عملك، والحكمة في دعوتك، وأن يجعلك مقبولاً مؤثرًا في بيئة عملك، وأن يفتح على يديك قلوب زملائك للحق، وأن يثبتك على الوقار والعفة.
روابط ذات صلة:
كيفية دعوة الموظفات في بيئة العمل المختلطة دون حرج أو افتتان