منهجية دعوة الشباب المنغمس في "ثقافة الشك"

Consultation Image

الإستشارة 20/11/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا داعية وأعمل في محيط جامعي. أواجه تحديًا كبيرًا مع الشباب الجامعي والمثقفين الذين يمرون بـ "أزمة شك" قوية، حيث يُشككون في ثوابت الدين، ويطرحون أسئلة عميقة حول الإلحاد، وقضايا المرأة، والتاريخ الإسلامي، والعدل الإلهي، متأثرين بالفلسفات الحديثة والمحتوى المنتشر على الإنترنت.

سؤالي: كيف أتعامل مع الشكوك في الخطاب الدعوي؟ هل يجب أن أبدأ بـ "العقيدة" (الأصول) مباشرة، أم أبدأ بـ "الأخلاق والقيم" (التي قد تكون أسهل في القبول)؟ وما هي المنهجية المناسبة للرد على الشبهات التي تجمع بين "العقل" و"النقل" دون أن أزيد الشكوك لديهم؟ أرجو الإفادة بمنهج بناء فكري وعقدي لهذا الجيل. جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 20/11/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك أيها الداعية الفاضل، وشكر الله لك جهادك في هذا الميدان الفكري المعاصر. إن الشك اليوم ليس مجرد "شبهة" بل هو "ثقافة" تحتاج إلى منهجية علاج جذري. إنكم تسألون عن "فقه التحصين الفكري للشباب"، وأسأل الله أن يفتح عليك فتوح العارفين وأن يسدد حجتك.

 

ومنهج التعامل مع الشباب المنغمس في ثقافة الشك هنا يجب أن يكون علاجيًّا وبنائيًّا ينطلق من الاستماع الصادق إلى البرهان العقلي، ويمكننا المساهمة في هذا الموضوع بالنقاط التالية...

 

بناء جسر الثقة (المقدمة العلاجية)

 

قبل البدء في الرد، يجب فتح قنوات اتصال آمنة وموثوقة.

 

1) تقبل الشك كحالة وليس كذنب: يجب أن يتقبل الداعية الشك من الشاب كحالة طبيعية يمر بها العقل الباحث. تجنب اتهام السائل بـ "الضلال" أو "الفساد" هذا يجعله يشعر بالأمان في طرح سؤاله.

 

2) الاستماع المُعمَّق: يجب الاستماع بإنصات كامل لمعرفة مصدر الشك (هل هو عاطفي، فكري، أم تاريخي؟)، لأن علاج كل نوع يختلف عن الآخر.

 

3) الاعتراف بوجاهة السؤال: استخدام عبارات مثل: "هذا سؤال قوي ومهم، وقد سأل عنه الكثير من العقلاء"، هذا يعطي ثقة للسائل بأن سؤاله ليس تافهًا.

 

منهجية الرد على الشبهات (البناء العقدي)

 

الأولوية في البناء هي للأصول العقلية، لا للفروع النقلية.

 

1) البدء بإثبات "الإله الخالق" (البرهان العقلي): قبل الخوض في تفاصيل الإسلام، يجب البدء بإثبات وجود الخالق وكماله عن طريق العقل والفطرة، لأن أزمة الشك تبدأ من هنا، ويمكن الاستدلال بآيات الكون والأنفس على وجود الله وحكمته، مع استخدام لغة المنطق الفلسفي المعتدل (منهج الفلاسفة المسلمين الأوائل)، كمثل قوله تعالى: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض)، ولذا كانت منهجية الأمر كما أشار حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (رحمه الله) هي الشك في الله، والشكّ هو المفتاح، والرد يكون على هذا المفتاح.

 

ملحوظة: هناك بحث كنت كتبتُه ونُشر في جامعة الأزهر الشريف، وعلى بنك المعرفة (المشروع العلمي القومي المصري) حول منهجية التعامل مع الشبهات دعويًّا، يمكنك الاستفادة منه، وهذا رابطه على الإنترنت:

https://zjac.journals.ekb.eg/article_175606_b89e90f0a6c807ac5c261649f5d2fdbe.pdf

 

2) الانتقال إلى "صدق النبوة": بعد الإيمان بالله، ننتقل إلى إثبات صدق النبي وأن القرآن كلام الله (التحدي البياني، الإخبار بالمستقبل، الإعجاز العلمي الثابت).

 

3) تأجيل الرد على الفروع: لا تخض في قضايا المرأة أو الحدود قبل أن يثبت الإيمان بالله ورسوله. عندما يثبت هذا الأصل، فإن الشبهات الفقهية الجزئية يصبح التعامل معها أسهل.

 

منهجية الدعوة بالقيم والأخلاق

 

1) القدوة في الواقع: يجب أن يرى الشاب في الداعية نفسه تجسيدًا لقيم الإسلام (عدالة، نزاهة، علم، أخلاق عالية)، فالشباب يبحثون عن النموذج الحقيقي لا مجرد التنظير.

 

2) الجمع بين العقيدة والأخلاق: لا تفصل بينهما. فمثلاً: عندما تتحدث عن العدل الإلهي (عقيدة)، اربط ذلك بالعدل في معاملاتنا اليومية (أخلاق)، ليرى الشاب أثر العقيدة في الحياة.

 

وختامًا:

 

أيها الداعية الباحث، كن قارئًا جيدًا للشبهات ومُلمًّا بالفلسفات المعاصرة. عليك بالرجوع إلى كتب "الرد على الشبهات" المنهجية. تذكر أن كثيرًا من الشكوك هي أسئلة قلبية تحتاج إلى طمأنينة لا مجرد إجابة فكرية. عاملهم كأبناء وليس كأعداء، وأسأل الله أن يثبت قلوب شبابنا على الحق، وأن يطهر عقولهم من الشبهات، وأن يرزقك البيان والحجة القوية في مناقشتهم، وأن يجعل لك تأثيرًا في محيطك الجامعي.

 

روابط ذات صلة:

يخشى شبهات الإلحاد في الجامعة.. نصيحة دعوية

كيف أتعامل مع زميل يثير الشبهات حول الصلاة والدين؟

تحدي دعوة الفئة المثقفة المنشغلة بالشبهات الفكرية المعاصرة

كيف أدعو وأتحاور مع أصدقائي الذين لديهم شبهات إلحادية؟

الرابط المختصر :