قول موسى: لا أملك إلا نفسي وأخي، فأين الرجلان؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : علوم القرآن والحديث
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 14
  • رقم الاستشارة : 3347
21/11/2025

كيف نوفق بين قوله تعالى ﴿قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23] وبين قوله تعالى : ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ الفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 25] فأين ذهب الرجلان، وأين بقية المؤمنين بموسى عليه السلام من أهله وأقرب الناس إليه؟

الإجابة 21/11/2025

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فقد اختلف المفسرون حول الجمع بين الآيتين المذكورتين في السؤال، فمنهم من يرى أن الرجلين لم يصمدا ووقعا فيما وقع فيه قومهم، وخاصة بعدما هددوهما بالرجم، ولم يثق فيهما كل الوثوق بعد معارضة قومهم لهم، ومنهم من يرى أن كلمة أخي لا تشمل هارون وحده ولكن كل من كان عونًا لموسى عليه السلام وبالتالي يدخل الرجلان معه، وتكون أخي هنا دليل على القلة، ومنهم من يرى أن موسى عليه السلام قال هذا الكلام بعد وفاة هارون عليه السلام.

 

بنو إسرائيل لم يدخلوا الأرض المقدسة

 

والمتفق عليه أن أكثرية بني إسرائيل جبنوا ولم يدخلوا مع موسى الأرض المقدسة بعد أن وعدهم الله بالنصر والتمكين، فأبدلهم تيهًا يتيهون في الأرض أربعين سنة، حتى خلفهم جيل يستحق النصر والتمكين ولم يحدث هذا إلا بعد وفاة موسى عليه السلام

 

إطباق الأكثرين على التمرد

 

يقول الفخر الرازي -رحمه الله - في مفاتح الغيب:

 

فإن قيل: لمَ قال لا أملك إلا نفسي وأخي، وكان معه الرجلان المذكوران؟ قلنا: كأنه لم يثق بهما كل الوثوق لما رأى من إطباق الأكثرين على التمرد، وأيضًا لعله إنما قال ذلك تقليلاً لمن يوافقه، وأيضًا يجوز أن يكون المراد بالأخ من يواخيه في الدين، وعلى هذا التقدير فكانا داخلين في قوله وأخي، ثم قال: ﴿فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين﴾ يعني فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق وتحكم عليهم بما يستحقون، وهو في معنى الدعاء عليهم، ويحتمل أن يكون المراد خلصنا من صحبتهم، وهو كقوله ﴿ونجني من القوم الظالمين﴾.

 

بيان قلة من يوافقه

 

ويقول الألوسي – رحمه الله -:

 

قَالَ موسى عليه السلام لما رأى منهم ما رأى من العناد على طريق البث والحزن والشكوى إلى الله تعالى مع رقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة. فليس القصد إلى الإخبار وكذا كل خبر يخاطب به علام الغيوب يقصد به معنى سوى إفادة الحكم أو لازمه، فليس قوله ردًّا لما أمر الله تعالى به ولا اعتذارًا عن عدم الدخول ﴿رَبّ إِنّى لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِي﴾ هارون عليه السلام وهو عطف على (نَفْسِي) أي لا يجيبني إلى طاعتك ويوافقني على تنفيذ أمرك سوى نفسي وأخي ولم يذكر الرجلين اللذين أنعم الله تعالى عليهما وإن كانا يوافقانه إذا دعا لما رأى من تلون القوم وتقلب آرائهم فكأنه لم يثق بهما ولم يعتمد عليهما. وقيل: ليس القصد إلى القصر بل إلى بيان قلة من يوافقه تشبيهًا لحاله بحال من لا يملك إلا نفسه وأخاه، وجوز أن يراد ـ بأخي ـ من يؤاخيني في الدين فيدخلان فيه ولا يتم إلا بالتأويل بكل مؤاخ له في الدين، أو بجنس الأخ وفيه بعد... أ.هـ باختصار.

 

لا أقدر إلّا على نفسي وأخي

 

ويقول ابن عاشور -رحمه الله - في التحرير والتنوير:

 

قال أي موسى، مناجيًا ربّه أو بمسمع منهم ليوقفهم على عدم امتثالهم أمرَ ربّهم ﴿ربّ إنّي لا أملك إلاّ نفسي وأخي﴾ يجوز أن يكون المعنى لا أقدر إلّا على نفسي وأخي، وإنّما لم يعُدّ الرجلين اللذين قالا ﴿ادخلوا عليهم الباب﴾ لأنّه خشي أن يستهويهما قومهما. والذي في كتب اليهود أنّ هارون كان قد توفّي قبل هذه الحادثة. ويجوز أن يريد بأخيه يوشَع بنَ نون لأنّه كان ملازِمَه في شؤونه، وسمّاه الله فتاه في قوله ﴿وإذ قال موسى لفتاه﴾ (الكهف: 60) وعطفه هنا على نفسه لأنّه كان محرّضًا للقوم على دخول القرية. ومعنى ﴿افرق بيننا وبين القوم الفاسقين﴾ ألّا تؤاخذنا بجرمهم، لأنّه خشي أن يصيبهم عذاب في الدنيا فيهلك الجميع فطلب النّجاة، ولا يصحّ أن يريد الفرق بينهم في الآخرة؛ لأنّه معلوم أنّ الله لا يؤاخذ البريء بذنب المجرم، ولأنّ براءة موسى وأخيه من الرضا بما فعله قومهم أمر يعلمه الله، ويجوز أن يراد بالفرق بينهم الحكم بينهم وإيقاف الضالين على غلطهم.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

الرابط المختصر :