هل كل الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : علوم القرآن والحديث
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 259
  • رقم الاستشارة : 2884
06/10/2025

هل كل الأعراب أشد كفرا ونفاقا؟ ولماذا وصفهم الله بهذا الوصف ألا يعد ظلما لكل الأعراب؟

الإجابة 06/10/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فليس كل الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا، وعلينا أن نقرأ القرآن كله في ضوء بعض، فما كان عامًّا في موضع خصص في موضع آخر، وما كان مطلقًا في مكان قيد في مكان آخر، وقد حثنا القرآن على عدم التعميم حتى لو كان يتحدث عن غير المسلمين، فقال، ليسوا سواء، وقال منهم ومنهم.

 

الصالح والطالح

 

وإن كان النفاق والكفار أكثر في الأعراب من أهل الحضر، لكن لا يخلو مجتمع من الصالح والطالح، وقد وصف الله أهل المدينة وهم من خيرة الناس بقوله: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة: 101].

 

وعبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين لم يكونوا أعرابًا، بل كان زعيمًا يستعد ليتوج على قومه، وهو رأس المنافقين، وعلينا أن نقرأ الآيات الثلاث معا لنرى عظمة القرآن وعدله، وأنه لا يظلم أحدًا وفئة ولا شعبًا حقه.

 

يقول الله تعالى: ﴿الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة:97- 99].

 

نشأة الأعراب

 

يقول ابن عاشور في التحرير والتنوير في تفسير الآية الأولى:

 

فإن الأعراب لنشأتهم في البادية كانوا بعداء عن مخالطة أهل العقول المستقيمة وكانت أذهانهم أبعد عن معرفة الحقائق وأملأ بالأوهام، وهُم لبعدهم عن مشاهدة أنوار النبي ﷺ وأخلاقه وآدابه وعن تلقي الهدى صباحَ مساءَ أجهلُ بأمور الديانة وما به تهذيب النفوس، وهم لتوارثهم أخلاق أسلافهم وبعدهم عن التطورات المدنية التي تؤثّر سُمّوا في النفوس البشرية، وإتقانًا في وضع الأشياء في مواضعها، وحكمة تقليدية تتدرج بالأزمان، يكونون أقرب سيرة بالتوحش وأكثر غلظة في المعاملة وأضيع للتراث العلمي والخلقي؛ ولذلك قال عثمان لأبي ذرّ لما عزم على سكنى الربذة: "تَعَهَّد المدينةَ كيلا ترتَدَّ أعرابيًّا".

 

فأما في الأخلاق التي تحمد فيها الخشونة والغلظة والاستخفاف بالعظائم مثل الشجاعة؛ والصراحة وإباء الضيم والكرم فإنها تكون أقوى في الأعراب بالجبلة، ولذلك يكونون أقرب إلى الخير إذا اعتقدوه وآمنوا به.

 

ويقول أيضًا في تفسير الآية الثالثة:

 

هؤلاء هم المؤمنون من الأعراب وفَّاهم الله حقهم من الثناء عليهم، وهم أضداد الفريقين الآخَرين المذكورين في قوله: ﴿لأعراب أشد كفرًا ونفاقًا﴾ (التوبة: 97) وقوله ﴿ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مَغرمًا﴾ (التوبة: 97) قيل: هم بنو مُقَرّن من مزينة الذين نزل فيهم قوله ﴿تعالى ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم﴾ (التوبة: 92) الآية كما تقدم، ومن هؤلاء عبد الله ذو البجادين المزَني هو ابن مغفل. والإنفاق هنا هو الإنفاق هناك .أ. هـ.

 

طبيعة الأعراب

 

ويقول صاحب الظلال –رحمة الله –:

 

بدأ بتصنيف الأعراب -وهم البدو- وقد كانت قبائل منهم حول المدينة، وكانت لهم أدوار في الهجوم على دار الإسلام في المدينة -قبل إسلامهم- فلما أسلموا كانوا بوجه عام داخلين في الفئتين اللتين ورد وصفهما في هذه الآيات. وقد بدأ الحديث عنهما بتقرير قاعدة كلية عن طبيعة الأعراب.

 

والتعبير بهذا العموم يعطي وصفًا ثابتًا متعلقًا بالبدو وبالبداوة. فالشأن في البدو أن يكونوا أشد كفرًا ونفاقًا، وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله. والجدارة بعدم العلم بما أنزل اللّه على رسوله ناشئة من ظروف حياتهم، وما تنشئه في طباعهم من جفوة، ومن بعد عن المعرفة وعن الوقوف عند الحدود، ومن مادية حسية تجعل القيم المادية هي السائدة. وإن كان الإيمان يعدل من هذه الطباع، ويرفع من تلك القيم، ويصلهم بالأفق الوضيء المرتفع على الحسية.

 

بشاشة الإيمان

 

ويقول أيضًا في تفسير الآية الثالثة: وهناك الفريق الآخر ممن خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان... فهو الإيمان باللّه واليوم الآخر باعث الإنفاق عند هذا الفريق، لا الخوف من الناس، ولا الملق للغالبين، ولا حساب الربح والخسارة في دنيا الناس! وهذا الفريق المؤمن باللّه واليوم الآخر يبتغي بما ينفق أن يكون قربى من اللّه؛ ويتطلب صلوات الرسول.. أي دعواته.. الدالة على رضاه، المقبولة عند اللّه، وهو يدعو بها للمؤمنين باللّه واليوم الآخر، المنفقين ابتغاء القربى من اللّه ورضاه. لذلك يبادر السياق فيقرر لهم أنها قربى مقبولة عند اللّه (ألا إنها قربة لهم). ويبشرهم بحسن العاقبة وعدًا من اللّه حقًا. (سيدخلهم اللّه في رحمته).. ويجسم الرحمة كأنها دار يدخلونها فتحتويهم؛ وذلك في مقابل تجسيم دائرة السوء على الفريق الآخر، الذي يتخذ ما ينفق مغرمًا، ويتربص بالمؤمنين الدوائر. إن اللّه غفور رحيم. يقبل التوبة، ويتقبل النفقة، ويغفر ما كان من ذنب، ويرحم من يبتغون الرحمة .أ.هـ. باختصار وتصرف.

 

والله تعالى أعلى وأعلم

 

روابط ذات صلة:

تعميم الأحكام وأثره على دمار الأخلاق والمجتمعات

لماذا نلعن اليهود ونصفهم بأنهم أبناء القردة والخنازير؟

الرابط المختصر :