<p>لي ابن في سن المراهقة، بدأ يتذمَّر من الصلاة ويُجادلني في المسلَّمات، ويُظهر تأثّرًا بما ينشر على مواقع التواصل من أفكار إلحادية.</p> <p>أشعر بالذعر، وأحيانًا أفقد أعصابي فأصرخ أو أُهدِّده، ثم أندم على ذلك، وأخشى من أن أخبر أباه فيحدث ما لا يحمد عقباه.</p> <p><span dir="RTL">كيف أتعامل معه لأعالجه من هذه الأفكار الخبيثة دون أن ينفر مني ويضيع دون عودة؟</span></p>
مرحبًا بك أختي الفاضلة، وأشكرك على ثقتك التي وضعتها فينا، وأسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يطمئن قلبك على ولدك، وأن يحفظه لك من كل سوء، وأن يرده إليك ردًّا جميلًا، ويجعله قرة عين لك ولوالده، ونافعًا لدينه وأمته، وبعد...
فإن ما تمرِّين به هو تحدٍّ تربوي عظيم، يتطلب منك الحكمة والصبر. فسن المراهقة هي سن البحث عن الهوية، وتفكيك المُسَلَّمات، وتجريب الأفكار الجديدة؛ وهذا أمر طبيعي في مسيرة نمو العقل. وعندما يقترن هذا بفضاء الإنترنت المفتوح الذي يعج بالشبهات، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا.
قوة الدُّعاء وسرُّ اليقين:
قبل أن نتحدث عن أي خطوة لمواجهة هذا الأمر، أدعوك لرفع يديك والتضرع لله بيقين الأم المستسلمة لقدرة ربها، والمؤمنة بأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وادعي لولدك بأن يشرح الله صدره للهدى والإيمان الحق، وأن يزيل عنه تلك الوساوس والأفكار.
تنقية المنابع والمفاهيم:
اعلمي أن ولدك لن يقنعه مجرد الكلام عن الصلاة والجنة والنار، إذا لم يرَ أثر ذلك في حياتك أنت ووالده. هل يرى أمامه والدين يجدان لذة وراحة في الصلاة ويحرصان على إقامتها؟ هل يشعر بانعكاس الإيمان في أخلاقكما ومعاملاتكما؟
فإذا كان يتذمر من الصلاة، لا تجعليها مجرد «فرض»؛ بل «صلة». ركزي على العلاقة بالله في الصلاة، وعلى كونها راحة من تعب الدنيا، وكيف كان النبي ﷺ يقول لمؤذنه عنها: «أَرِحْنَا بها يا بلال» [رواه أبو داود]، وأن ولدك بحاجة إلى أن الشعور بهذه الراحة.
الاحتواء العاطفي:
إن أسلوبك الحالي (الذُّعر، الصراخ، التهديد) هو الوصفة الأكيدة لزيادة النفور! إنه تواق -بطبيعة سنه- للتمرد، وصراخك يعطيه سببًا وجيهًا للابتعاد والهرب.
لذا، يجب أن يكون صدرك هو الملاذ الآمن لابنك الذي يلجأ إليه مطمئنًّا، دون خوف من المصارحة بما يدور في عقله وصدره. وعندما يُجادلك لا تُقابليه بالإنكار الفوري أو السخرية أو الغضب.
تذكري حكمة النبي ﷺ في التعامل مع الشباب في مثل سنه. فعندما جاءه شاب يستأذنه في الزنا، لم يعنفه ولم يصرخ فيه ولم يؤنبه! بل تحاور معه بود وحنان، حتى أطفأ الفكرة في نفسه.
عندما تهمين بفقد أعصابك والصراخ، تذكري فورًا نصيحة النبي ﷺ التي كررها مرارًا: «لا تغضب»، [رواه البخاري]. استعيذي بالله، واهدئي، ثم عودي إليه بحب، واعتذري له إن عاملتِه بعنف وشدة، فهذا يعلمه التواضع ويقربك منه.
الحوار وتفنيد الشبهات:
لا تخافي من الشبهات؛ فعندما يطرح شبهة كوني هادئة ومبتسمة وقولي: «هذا سؤال جيد، ويبدو أنك فكرت فيه كثيرًا. أنا سعيدة لأنك تُعمِل عقلك، وتشاركني أفكارك»، فهذا يجعله يشعر بالتقدير لا الاتهام.
علِّميه أن الإيمان في الإسلام ليس إيمانًا أعمى؛ بل يقوم على التفكر والتساؤل. والقرآن مليء بدعوات التفكُّر والتأمل والنظر.
اعرفي من أين يأتي بهذه الأفكار (المصدر، والمؤثر). فقد يكون السبب هو محاولة لفت الانتباه، أو التمرد على السيطرة، أو أنه حقًّا يبحث عن إجابات منطقية.
ولا تكافحي المحتوى السيئ بالمنع؛ بل بالمحتوى البديل الجذاب. قدمي له مقاطع فيديو وكتبًا لأشخاص يتحدثون عما يجول بخاطره ويطرحه من أفكار، عن عظمة الخالق في الكون، عن المنطق الإلهي في التشريع، وعن إنسانية النبي ﷺ وحكمته، بأسلوب عصري ومقنع.
لا تجعليه يعتقد أن التفكير خارج الصندوق هو ضد الإيمان؛ بل علميه أن الإيمان هو نتيجة التفكير.
دور الأب أساسي:
خوفك من إخبار والده مشروع، ولكن المشكلة أكبر من أن تتحمليها وحدك. الحل هو إخبار الأب بهدوء ووضع خطة مشتركة معه. واتفقا سلفًا على أن يكون تعامله معه حكيمًا دون عنف أو تهديد. وأن يكون الأب قدوة له. إن الأب يمثل القوة والثقة، وكلاهما مهم للمراهق.
وختامًا أختي الفاضلة، تذكري قول الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّك بِالْحِكمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [سورة النحل: 125]. اصبري واحتسبي، وتذكري أن هذه الأفكار عابرة، وستنتهي بإذن الله إذا وجد ابنك منك الحب غير المشروط، والرد المقنع، والقدوة الحسنة. والله معك، ولن يخيِّب أمل أم لجأت إليه.
حفظ الله لك ابنك، وأقرَّ عينك بصلاحه وهدايته.
روابط ذات صلة:
كيف أدعو وأتحاور مع أصدقائي الذين لديهم شبهات إلحادية؟
الإلحاد الديني والعلمي هل هناك اختلاف؟
أشك في وجود الإله والأديان.. طمأنة وإضاءات
ما هو الإلحاد الروحي وكيف يروج له؟