بين رغبتي في التعدد وخوفي على بيتي وأبنائي!!!

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،</p> <p>أنا رجل في منتصف الأربعينات من عمري، متزوج منذ خمسة عشر عامًا، ولي ثلاثة أبناء: ابنتي الكبرى عمرها أربع عشرة سنة، وولدان توأم يبلغان من العمر إحدى عشرة سنة. الحمد لله تربيتهم جيدة، وهم متفوقون في دراستهم، وعلاقتي بهم طيبة، ولكن في الآونة الأخيرة بدأت أشعر بفتور في علاقتي بزوجتي<span dir="LTR">.</span></p> <p>هي أم فاضلة وتهتم بالأبناء والبيت، لكن بيننا خلافات متكررة بسبب الاختلاف في الطباع وغياب التفاهم في كثير من الأمور. شعرت أن العلاقة أصبحت شكلية يسودها البرود، وفكرت جديًا في الزواج الثاني، ليس نكايةً فيها، بل لأني أشعر بحاجة نفسية وعاطفية لذلك، مع أنني حاولت الإصلاح بيننا أكثر من مرة<span dir="LTR">.</span></p> <p>حين فاتحتها بالأمر رفضت بشدة، وقالت إنها لا تستطيع تقبّل فكرة التعدد، وهددتني بالطلاق إن أقدمت على الزواج. حاولت تهدئتها وشرحت أنني لا أنوي ظلمها أو التقصير في حقوقها أو في حق أولادي، لكن موقفها صارم جدًا<span dir="LTR">.</span></p> <p>الآن أنا في حيرة من أمري، أخاف إن تم الطلاق أن يتأثر أولادي نفسيًّا وسلوكيًّا، خاصة أن أعمارهم حساسة، وابنتي بدأت مرحلة المراهقة وتحتاج إلى استقرار واحتواء، والتوأمان ما زالا في سن التكوين والتأثر بكل ما يدور حولهما<span dir="LTR">.</span></p> <p>أسأل حضرتك د.أميمة كمستشارة تربوية ونفسية<span dir="LTR">:</span></p> <p>هل الطلاق في هذه الحالة سيؤثر على أبنائي تأثيرًا نفسيًا وسلوكياً كبيرًا؟</p> <p>وهل إن عدلت عن فكرة التعدد حفاظًا على استقرار البيت أكون قد ظلمت نفسي؟</p> <p>أم الأفضل أن أُقدِم على الزواج الثاني مع الحرص على العدل بينهم ومحاولة احتواء الأبناء؟</p> <p>أحتاج رأيًّا تربويًّا واقعيًّا ونفسيًّا متزنًا، يراعي مصلحة الأسرة كلها دون عاطفة زائدة أو قسوة<span dir="LTR">.</span></p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

أخي الكريم، أقدّر فيك هذا الوعي العالي ومسؤوليتك في التفكير بمآلات قرارك على أسرتك وأبنائك قبل الإقدام عليه، فهذه علامة على نضج عاطفي وإدراك عميق لمعنى القيادة الأبوية المتزنة.

 

حديثك يحمل صدقًا وحرصًا على مصلحة الجميع، وهو بداية صحيحة للتفكير الأسري المتزن.

 

التعدد قضية حساسة

 

إن موضوع التعدد والزواج الثاني من القضايا الحساسة التي تتقاطع فيها الجوانب النفسية، والدينية، والاجتماعية، والتربوية. والتعامل معها يحتاج إلى اتزان انفعالي (Emotional Balance) وإدراك واقعي (Realistic Awareness)؛ لأن القرار لا يمسّ الزوجين فقط، بل يمتد أثره إلى الأبناء الذين يعيشون ما يُعرف في علم النفس الأسري بحالة الاضطراب الأسري (Family Disruption) إذا لم يُدار الأمر بحكمة.

 

البعد النفسي والتربوي للأبناء

 

أبناؤك الثلاثة في مراحل حرجة من النمو.. فابنتك ذات الأربعة عشر عامًا تمر بمرحلة المراهقة المبكرة (Early Adolescence)، وهي أكثر المراحل حساسية للتقلبات الانفعالية، وتحتاج إلى الشعور بالأمان الأسري والاستقرار العاطفي.

 

أما التوأم في سن الحادية عشرة، فهما في مرحلة الانتقال من الطفولة إلى الوعي الاجتماعي (Social Awareness Development)، حيث تتشكل لديهما صورتهما عن "الأسرة المثالية" و"القدوة الأبوية".

 

وأي اضطراب في العلاقة الزوجية — سواء طلاقًا فعليًّا أو توترًا دائمًا — يُحدث اضطرابًا في إحساسهم بالأمان الداخلي، ويؤدي إلى مظاهر سلوكية متعددة، مثل القلق، أو الانطواء، أو العدوانية السلبية، أو ضعف التحصيل الدراسي. بل قد يبدأ الطفل في تكوين مفاهيم خاطئة عن الزواج والرجولة والأنوثة والعلاقة بين الرجل والمرأة.

 

إذن، القرار الذي تتخذه — سواء بالتعدد أو الطلاق — لن يكون تأثيره على الأبناء في الحدث نفسه، بل في طريقة إدارتك له، ومدى قدرتك على التواصل الهادئ معهم، وتفسير الموقف بلغة مطمئنة تضمن لهم استمرار الحب والاحتواء.

 

 البعد الزواجي والعاطفي

 

من حقك شرعًا أن تتزوج ثانية إن استطعت العدل المادي والمعنوي، لكن من واجبك أيضًا أن تتدبر قول الله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾، والعدل هنا لا يقتصر على النفقة، بل يشمل العدل النفسي والعاطفي، لأن القلب حين ينحاز — ولو دون قصد — يشعر الأبناء بذلك فيتزعزع توازنهم. لذلك فالتعدد لا يصبح نجاحًا إلا إذا كان منطلقًا من احتياج واقعي منضبط لا من فراغ نفسي مؤقت (Temporary Emotional Gap).

 

فكّر جيدًا، فقد يكون ما تعانيه مع زوجتك الآن ليس بالضرورة سببًا يستوجب الزواج الثاني، بل إشارة إلى أن العلاقة بينكما تحتاج إلى إعادة إحياء وجداني (Emotional Reconnection)، فكثير من الأزواج بعد مرور سنوات طويلة يشعرون ببرود عاطفي نتيجة الروتين، لكن بالعلاج الزواجي والحوار المفتوح، يمكن إعادة الدفء والمودة، وليس أمرًا مستحيلا حتى وإن واجهته بعض الصعوبات.. فلقد قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.

 

 البعد التربوي والقدوة الأبوية

 

الأب ليس فقط مصدر نفقة، بل هو الرمز التربوي الأعلى (Parental Model) في عيون أبنائه. قراراتك تشكّل نموذجهم في المستقبل. فإن رأوك تتخذ قرارات عاطفية دون توازن، تعلّموا الاندفاع، وإن رأوك متأنيًا يوازن بين حقوقه وواجباته، تعلموا الاتزان والحكمة.

 

إن التعدد في ذاته ليس عيبًا، ولكن إن أدى إلى شرخ نفسي في الأبناء أو هدم الاستقرار الأسري، يصبح أثره تربويًّا سلبيًّا.

 

أما إن استطعت أن تدير الأمر بحكمة، وتبقي بيتك الأول قائمًا بالمودة والعدل، فقد يتحقق التوازن. لكن هذا يحتاج منك إلى قدرة عالية على التنظيم النفسي (Self Regulation) ووعي بأثر كل قرار على المحيطين بك.

 

 مقترحات للمساعدة

 

رابعًا: ولذلك سأهديك مقترحات عملية نفسية وتربوية قد تساعدك:

 

1- استعن بعد الله تعالى واستخارته بمستشارة أسرية أنت وزوجتك لجلسة مشتركة، لتفهم هي دوافعك بعمق وتُعبّر هي أيضًا عن احتياجاتها النفسية. فأحيانًا يكون ما نراه سببًا للتعدد هو في أصله نقص في التواصل الوجداني.

 

2- أعط نفسك مهلة زمنية واعية قبل اتخاذ القرار، فقرارات الأسرة لا تُبنى في لحظة انفعال ولا لحظات تأثر خارجية.

 

3- احمِ أبناءك من التفاصيل الزوجية؛ لا تجعلهم طرفًا في النزاع أو شهودًا على التوتر.

 

4- ذكّر نفسك دائمًا بمسؤوليتك التربوية.. أنك اليوم لا تبني قرارًا لراحتك وحدك، بل لمستقبل أسرة بأكملها.

 

وأخيرًا أخي الفاضل، إذا كان الطلاق أو التعدد سيُحدث شرخًا نفسيًّا في الأبناء، فالأفضل أن تُقدّم استقرارهم النفسي على رغبتك الشخصية، حتى تُهيّأ الأسباب الشرعية والنفسية التي تضمن العدالة والرحمة.

 

أما إن بلغت العلاقة بينكما حدًّا من الانفصال العاطفي المؤذي للطرفين، فحينها الطلاق قد يكون أهون الضررين، إن تم بحوار راقٍ واحترام متبادل يحفظ للأبناء صورتهم عن والديهم.

 

وفقط هنا أذكّرك بقول النبي ﷺ: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي»، فخير الرجال هو من يحسن التقدير والرحمة، لا من يندفع إلى قرار دون وزن عواقبه.

 

 * همسة أخيرة:

 

اجعل قرارك نابعًا من وعيٍ لا من رغبة، ومن اتزانٍ لا من فراغ، فالرجل القائد هو من يملك نفسه ساعة القرار، قبل أن يملكها ساعة الغضب أو الحاجة.

 

روابط ذات صلة:

كيف أقنع زوجتي بالزواج الثاني؟

خطيبي يفكر في التعدد.. هل أستمر معه؟