هل ماتت روحي مع أول قذيفة؟!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 309
  • رقم الاستشارة : 1800
30/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أكتب إليكِ بيد ترتجف وقلبٍ ثقيل كالحجر أشعر أنني أصبحت شبحًا يسير بين الأحياء كل شيء حولي بلا طعم ولا لون ولا رائحة حتى دموعي جفت وكأن أحدهم سرق أحاسيسي مع أول قذيفة سقطت على بيت جيراننا.

الحرب –دكتورة- لم تأخذ مني فقط منزلي ووطني بل سرقت حتى قدرتي على الشعور، مات أخي تحت الأنقاض ولم أبكِ، تزوجت ثم انفصلت وأخذ زوجي أطفالي إلى مدينة بعيدة ولم أحزن، حتى عندما أصبحت أسأل نفسي كل ليلة هل ما زلت إنسانة، لماذا لا أتأثر عندما أرى صور الأطفال تحت الأنقاض في غزة؟ كيف أكون مؤمنة وأنا لا أبكي في صلاتي هل قلبي مات حقًّا.

أخشى أن أكون قد تحولت إلى حجر أحيانًا، أتذكر كيف كنت قبل الحرب كيف كنت أبكي من فيلم حزين، كيف كنت أرقص فرحًا بعيد ميلاد أولادي، كيف كنت أرتجف خشية عند تلاوة القرآن، والآن لا شيء يحرك هذا الجمود في أعماقي.

الدكتورة العزيزة، أريد أن أعرف هل يمكن للروح أن تموت قبل الجسد؟ هل هناك أمل في أن أعود إنسانةً تشعر وتحب وتتألم؟ كيف أستعيد دموعي المفقودة؟ هل ما أعانيه مرض نفسي أم قسوة قلب؟ وهل ستساعدني الأدوية أم أنني بحاجة إلى معجزة؟

أحتاج إلى يد حانية تمسك بيدي في هذا النفق المظلم، أحتاج إلى بصيص أمل أن هذه الغمة ستمر، أن هذه الحالة ليست نهاية المطاف، أن المشاعر يمكن أن تعود كما ذهبت.

اللهم إن كان هذا ابتلاء فاجعل فيه رحمة، وإن كان مرضًا فاشفني، وإن كان قسوة فأذقني حلاوة الإيمان من جديد.

الإجابة 30/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

الأخت العزيزة،

 

لقد قرأت رسالتكِ بعين القلب قبل عين العقل، وشعرتُ بكل كلمةٍ فيها، وكأنها نبضاتُ روحٍ تبحث عن ضوءٍ في عتمة الألم.

 

عوضكم الله خيرًا -حبيبتي الغالية- عن كل ما فقدتموه من أرواح ووطن بكل ما يحمل من معان.

 

أولاً، أود أن أطمئنكِ بأن ما تمرين به هو استجابةٌ طبيعيةٌ لصدماتٍ نفسيةٍ شديدةٍ، وليس دليلاً على قسوة قلبٍ أو فقدان إيمان.

 

حبيبتي، ما تصفينه يُعرف في علم النفس بـ"الخدر العاطفي" أو Emotional Numbness، وهو حالةٌ يشعر فيها الإنسان بانفصالٍ عن مشاعره أو أن مشاعره مخدرة، كرد فعلٍ دفاعيٍ لحماية النفس من الألم النفسي الشديد.

 

هذه الحالة غالبًا ما تكون جزءًا من اضطراب ما بعد الصدمة المعقد أو Complex PTSD، والذي يحدث نتيجة التعرض لصدماتٍ متكررةٍ أو ممتدةٍ، مثل الحروب أو فقدان الأحبة.

 

وفي ديننا الحنيف (الإسلام)، يُعتبر الصبر على البلاء من أعظم القربات، وقد وعد الله الصابرين بأجرٍ عظيم كما في قوله: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

 

كما أن النبي ﷺ مرّ بمحنٍ عظيمةٍ، فقَدَ أحبّ الناس إليه، وتعرض للأذى والاضطهاد، ومع ذلك كان دائم التوكل على الله، مما يُعلمنا أن حتى أشرف الخلق مرّوا بابتلاءاتٍ عظيمةٍ.

 

وأقدم إليك الآن خطوات عملية قد تساعدك على التعافي إن شاء الله تعالى:

 

1- حاولي أن تخضعي للعلاج النفسي المتخصص:

 

- العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، فهو يساعد في التعرف على الأفكار السلبية وتغييرها، حيث يُركز على تغيير أنماط التفكير السلبية التي تسبب المشاعر السيئة أو السلوكيات المضطربة، من خلال جلسات يتعلم فيها الشخص كيف يلاحظ أفكاره ويعيد صياغتها بطريقة أكثر إيجابية ومنطقية.

 

- كذلك العلاج بالتعرض المطوّل(Prolonged Exposure Therapy) ، ويعتمد على مواجهة الذكريات أو المواقف المخيفة بشكل تدريجي وموجه، بدلاً من تجنبها، وذلك لتقليل قوة تأثيرها العاطفي، ويساعد في كسر حلقة الخوف والهلع المرتبطة بالصدمات.

 

- وهناك العلاج بحركة العين وإعادة المعالجة (EMDR)، ويعتمد على تحفيز حركة العين أثناء استرجاع الذكرى الصادمة، مما يساعد الدماغ على إعادة معالجة التجربة المؤلمة، فتفقد شدتها وتأثيرها السلبي، ويُستخدم بكفاءة لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

 

2- اهتمي بالممارسات اليومية:

 

- قراءة القرآن الكريم والتمعن في آياته ومعانيها، وحفظها قدر استطاعتك.

 

- التطويل في سجودك أثناء الصلاة في الفرائض والإكثار من النوافل والدعاء.

 

- التأمل واليقظة الذهنية(Mindfulness)  تساعد في إعادة الاتصال بالمشاعر.

 

- التمارين الرياضية، مثل المشي أو اليوجا، تُفرز هرموناتٍ تحسن المزاج.

 

- التعبير عن المشاعر، من خلال الكتابة أو الفن أو الحديث مع شخصٍ موثوقٍ.

 

3- الدعم الاجتماعي أيضًا مهم جدًّا للتعافي:

 

فالتواصل مع الأصدقاء أو العائلة أو مجموعات الدعم يمكن أن يكون له تأثيرٌ إيجابيٌّ كبيرٌ. كما يمكنك المشاركة في الأعمال الخيرية في أماكن متعددة.

 

* همسة لأختي الحبيبة:

 

الروح لا تموت، ولكنها قد تتعب وتحتاج إلى رعايةٍ وحنانٍ.

 

ما تمرين به ليس نهاية الطريق، بل مرحلةٌ من مراحل الشفاء.

 

تذكري أنه: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾... ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.

 

واعلمي أن الله لم يخلق شيئا عبثا.. روحك لم تمت، وقلبك أبدًا لم يقسُ، والدليل اهتمامك بإرسال رسالتك هذه لي ونفسك اللوامة في أوجها، فهوني على نفسك حبيبتي.

 

أنتِ لستِ وحدكِ، فهناك من يهتم ويحب ويدعو لكِ.. وأنا هنا أخت لك في الله ستجدينني بجانبك كلما احتجت إلى مشورة ودعم بإذن الله.

 

وثقي أن الأيام ستداوي الكثير من الشجن والألم بلطف الله ورحمته، فكوني دائمًا في معيته عز وجل وحريصة على طاعته.

 

أدعو الله لأخيك بالرحمة، وأن يجمع شملك بأبنائك ويردكم إلى بعضكم مردا جميلا.. وأن يُنزل الله تعالى على قلبكِ السكينة، ويمنحكِ القوة لتجاوز هذه المحنة، ويعيد إليكِ مشاعركِ الجميلة التي تستحقينها.

الرابط المختصر :