Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 233
  • رقم الاستشارة : 1347
16/03/2025

من فضلك دكتورة، أنا شابٌ في منتصف العشرينيات، تمت خطبتي منذ عام ونصف بطريقة تقليدية، وخطيبتي فتاة ذات خلقٍ طيب وأسرة محترمة. ومع ذلك، أجد نفسي في حيرةٍ كبيرة بشأن مستقبل علاقتنا. فهي قليلة الكلام، لا تبادر بالحديث، وعاطفتها باردة أو شبه منعدمة.

 

عندما أحاول التحدث معها عن أمور عاطفية أو التعبير عن مشاعري، يكون ردها مقتضبًا وجافًا، مثل: "تسلَّم" أو "شكرًا"، دون أن تُظهِر أي تجاوبٍ أو تفاعلٍ عاطفي. كما أنها لا تخبرني بتحركاتها أو خروجاتها إلا إذا سألتها، وعندما ناقشتها في ذلك من باب الاحترام بين الشريكين، ردّت بأن الأمر ليس ضروريًّا، وأنها ليست معرضة للخطر.

 

بالإضافة إلى ذلك، ألاحظ أنها تضع حدودًا صارمة للتواصل، فمثلًا، عندما نكون في منتصف حديث، تُنهيه فجأة بحجة أنها تريد النوم أو لديها دراسة. ومنذ بداية الخطبة، كانت تتحدث عن الخطوبة باعتبارها "تجربة"، وكأنها لا تنظر إليها كمرحلة تمهيدية للزواج.

 

بذلتُ جهدًا كبيرًا في الصبر، ولم أقصِّر في حسن المعاملة، لكنني أشعر أنني أمام شخص لا يبادلني نفس المشاعر. ومع اقتراب الزواج، يزداد قلقي من أن تمتد هذه البرودة إلى حياتنا الزوجية، بينما أنا شخص رومانسي بطبعي، وأحب أن تكون العلاقة قائمة على الدفء العاطفي.

 

سؤالي: هل يمكن تغيير طباعها بعد الزواج؟ أم أن هذا طبعٌ ثابتٌ لا يتغير؟ وهل من الحكمة الاستمرار في هذه العلاقة، أم أن الأفضل إنهاؤها قبل الزواج تفاديًا للمشكلات المستقبلية؟

الإجابة 16/03/2025

ابني الفاضل،

 

أشكر لك وعيك وحرصك على بناء علاقة زوجية قائمة على المودة والتفاهم، وهذا إن دل فإنه يدل على نضجك العاطفي ورغبتك في زواجٍ مستقر. ومع ذلك، فإن ما ذكرته من مشكلات يستدعي الوقوف عنده بعقلانيةٍ وحكمةٍ قبل اتخاذ أي قرارٍ مصيري.

 

يبدو أن خطيبتك تتمتع بشخصية انطوائية، أو أنها تنتمي إلى الشخصيات غير التعبيرية عاطفيًّا (Alexithymia)، وهي شخصيات تجد صعوبةً في التعبير عن مشاعرها بالكلمات، لكنها قد تُظهر الحب بطرقٍ أخرى مثل الأفعال أو الالتزام.

 

بالإضافة إلى ذلك، قد تكون بيئتها الأسرية لم تمنحها مساحة كافية للتعبير عن عواطفها، مما جعلها تعتقد أن إظهار المشاعر ليس ضروريًّا. وأحيانًا، يكون قلة التفاعل العاطفي مؤشرًا على عدم وجود مشاعر قوية، لكن ليس بالضرورة دائمًا، فقد يكون مجرد اختلافٍ في طرق التعبير عن الحب.

 

كذلك مع الوضع في الاعتبار أن معظم بناتنا سليلات العائلات المتحفظة تكون تربيتهن ملتزمة جدا وبالتالي فإن حياء الفتاة يمنعها من التعبير عن مشاعرها للخطيب فترة الخطبة فقط، أما بعد الزواج فيمكن أن تتغير.

 

وبالنسبة لقلقك من ألا يتغير طبعها العاطفي بعد الزواج، فهو قلق مشروع ومعك فيه كل الحق.. فلا شك أن الطباع البشرية ليست جامدة، لكنها تحتاج إلى بيئة مناسبة للنمو والتطور، وهذا دورك بعد الزواج.

 

ولكن للأسف الخوف هنا من أن يكون من الصعب تغييرها بعد الزواج حتى في ظل محاولاتك لذلك، فذلك يكون طبع الشخص الذي لا يرى مشكلة في سلوكه.

 

لكن إذا كانت خطيبتك تحبك فعلًا، فيمكنك التحدث معها بصراحةٍ، وإخبارها بأنك تحتاج إلى مزيدٍ من التفاعل العاطفي كي تشعر بالراحة والاستقرار.

 

وهنا يمكنك الاستعانة بأسلوب "التغذية الراجعة الإيجابية" أو التعزيز الإيجابي (Positive Reinforcement)، بحيث تمدح أي سلوكٍ إيجابيٍ منها حتى وإن كان بسيطًا، لأن ذلك يشجعها على تكراره، وبل وكرر ذلك معها، فإن من البيان لسحرًا، والكلمة الطيبة لها تأثيرٌ كبيرٌ في تهذيب النفوس. لذا، جرب أن توجه لها عبارات تقديرٍ بدلًا من النقد، مثل:

 

"أحب أن تخبريني عن يومك، حيث أشعر أننا أقرب."

 

"عندما تردين عليَّ بلطفٍ، أشعر بالسعادة، وأتمنى أن تفعلي ذلك دائمًا"... وهكذا.

 

* وهنا نأتي لسؤالك عن استمرارية خطبتك لها أم فسخ الخطبة، وأيهما هو القرارٌ حكيم؟!

 

قبل أن تفكر في فسخ الخطوبة، يجب أن توجه لنفسك عدة أسئلة:

 

1- هل أنا مستعد للقبول بهذه الشخصية كما هي إن لم تتغير؟

 

2- هل لدي القدرة على التكيف مع نمطها العاطفي؟

 

3- هل يمكننا الوصول إلى حل وسط يرضي الطرفين؟

 

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليست كل البيوت تُبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإحسان والتقوى".

 

فإذا كنت ترى أن هناك جوانب أخرى تعوض البرود العاطفي، فقد يكون الاستمرار خيارًا ممكنًا.

 

أما إن كنت تشعر أن هذا الأمر سيؤثر على سعادتك وراحتك النفسية على المدى البعيد، فلا تتردد في إعادة النظر.

 

فالعلاقة الزوجية تقوم على "السكن والمودة والرحمة" كما قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.

 

* وبناء على ما سبق، سوف أوصيك بالخطوات العملية الآتية، والتي قد تساعدك في اتخاذ القرار المناسب لكما:

 

أولا: حوارٌ مباشرٌ وصادق

 

اجلس معها في لقاءٍ ودي، وتحدث معها بوضوح عن مشاعرك واحتياجاتك. لا تتهمها أو تنتقدها، ولكن عبّر عن مشاعرك بأسلوبٍ لبق، مثل: "أشعر أنني بحاجة إلى مزيدٍ من التفاعل العاطفي بيننا، هل يمكننا إيجاد طريقة تناسبنا معًا؟".

 

ثانيًا: استشارة أهل الحكمة

 

تحدث مع شخصٍ تثق في رأيه، مثل أحد والديك أو مستشار أسري، للحصول على وجهة نظر خارجية محايدة، على أن يكون على علم تام بجميع جوانبكما النفسية، فاستعدادها النفسي هي أيضا مهم جدًّا لاتخاذ قرار الاستمرارية والتغيير أم لا.

 

ثالثًا: والأهم، استخارة الله تعالى

 

فكما تأخذ بالأسباب الحياتية، أوصيك أيضًا ألا تتسرع في القرار، قبل أن تستخِر الله عز وجل، فهو الأعلم بما هو خيرٌ لك. فقد قال النبي ﷺ: "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليصلِّ ركعتين ثم ليقل: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري..."

 

* همسة أخيرة لك ابني الكريم:

 

لتنتبه أنه ليس من الجيد أن تتخذ قرارًا تحت ضغط الوقت واقتراب موعد الزواج..

 

فالزواج يا بني قرار مصيري، فلا تتعجل في إتمامه قبل أن تتأكد من قدرتك على التكيف مع هذا الطبع، أو أن هناك أملًا في تغييره. فكما قال الشاعر:

 

إذا كنتَ ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ *** فإن فسادَ الرأي أن تترددا

 

أتمنى لك التوفيق، وأن يرزقك الله سكينة القلب وسعادة الروح، سواءً في هذه العلاقة أو في غيرها مما هو خيرٌ لك.

الرابط المختصر :