الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
170 - رقم الاستشارة : 831
29/01/2025
أنا يا سيدتي مهاجر مغربي من سكان الضواحي في باريس استطعت بصعوبة أن أستقدم أسرتي الصغيرة لفرنسا ومن وقتها ودبت الخلافات بيننا فبعد أن كنت أنزل في العطلة وأقضي وقتا لطيفا مع أسرتي وأترك لهم من المال ما يجعلهم يعيشون في مستوى اقتصادي جيد تبدل الحال منذ وصولهم فنحن نعاني اقتصاديا ونتدبر أمر الميزانية بصعوبة ولا يوجد وقت للخروج والنزهة لأني مضغوط جدا في العمل وأشعر بصعوبة دمج أولادي في المجتمع الفرنسي وأخشى عليهم في الوقت ذاته من الدمج غير أنهم يعانون من مشكلات دراسية متعددة وهناك إحساس بالدونية يسيطر علينا جميعا كأسرة فهل أقوم بهجرة معاكسة بعد كل ما بذلته من جهد للحصول على الإقامة في الأراضي الفرنسية؟
أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أخي الكريم وبكل أهل المغرب الكرام على بوابة استشارات المجتمع.. تدرك يا أخي أن مشكلتك هذه تمثل قطاعًا كبيرًا من المهاجرين العرب والمغاربة على وجه الخصوص في فرنسا، ولكن على الرغم من ذلك فالكثير منهم نجح بالفعل في التكيف والعمل والاندماج، فالمسألة تحتاج وقتًا وجهدًا فلا يمكنك الحكم على تجربتك قبل مرور عامين على الأقل منذ انتقال أسرتك للأراضي الفرنسية بشرط بذل الجهد الكافي في الحل.
تعاني أسرتك الصغيرة من الهشاشة منذ الهجرة، وأهم سبب في رأيي لهذه الهشاشة أنكم افتقدتم روح الأسرة، فعلى الرغم من أنك كنت بعيدًا عنهم وتزورهم فقط في العطلات قبل ذلك، فإن هذا الوقت كان ثريًّا غنيًّا باللحظات الجميلة التي تُحفر في الذاكرة، وبالتأكيد كنت تتواصل معهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، فكنت الغائب الحاضر معهم، لكن المفارقة أنه مع لمّ الشمل الذي حصل للأسرة إلا أنهم يفتقدونك بسبب غيابك في العمل وعدم قضاء وقت خاص ذي جودة عالية معهم.
وإذا أضفنا لما ذكرناه أنهم كانوا في المغرب في بيئتهم الطبيعية المألوفة حيث الأهل والأصدقاء بينما انتقلوا لأرض غريبة لا يعرفون فيها أحدًا إلا أنت مما زاد الضغط عليك، والإنسان المضغوط يكون غير قادر على العطاء بالقدر الكافي، وفي الوقت ذاته فافتقادهم لبيئتهم الطبيعية جعل مشاعرهم حساسة مرهفة ونفوسهم على درجة من الهشاشة، نفس الشيء ينطبق على المدرسة، شعورهم بالغربة وربما شعورهم أنهم غير مرحب بهم باعتبارهم مهاجرين مختلفين في لون البشرة والملامح والطباع الشخصية أظنه الدافع الأساسي وراء التعثر الدراسي للأولاد.
أخي الكريم، أنت رب هذه الأسرة وأنت لك سنوات في باريس، وعليك يقع العبء الأكبر في كسر دائرة المشكلات التي ترتبت على هجرة أسرتك، وعليك أيضًا تقع المسئولية الأكبر في دعمهم وتحويل هذه الهشاشة إلى صلابة، وإليك بعض الأفكار التي قد تساعدك على ذلك:
ـ لا بد أن يكون لك وقت يومي تقضيه بصحبة أسرتك ولو نصف ساعة فقط تتحدثون فيها حديثًا وديًّا بعيدًا عن مشكلات الحياة اليومية وضغوط النفقات.. نصف ساعة في اليوم لن تعجزك مهما كانت ساعات عملك.
ـ احرص على قضاء يوم العطلة مع أسرتك.. اخرجوا للتنزه والتجول في الحدائق العامة، وفي باريس أماكن كثيرة مجانية وأخرى بأسعار رمزية؛ فقلة المال ليس مبررًا أبدًا لعدم التنزه وقضاء وقت ممتع لكم كأسرة.. إذا كنت لست قادرًا على الخروج فاجلسوا معًا كأسرة وشاهدوا التلفاز مع تناول بعض المسليات.
ـ الحوار يا أخي هو كلمة السر في حل كل المشكلات تحدثوا.. اجعل زوجتك تحكي وتُخرج كل ما في قلبها من مخاوف وأمور تنغص عليها حياتها.. اجعل أبناءك يحكون دون أن تصدر عليهم حكمًا.. تحدثوا دون اتهامات ودون نقد.. الحوار يصنع التواصل والتواصل يمنح القوة والصلابة النفسية.
ـ اصنع بيئة داعمة لأسرتك، عرّف زوجتك وأولادك على أبناء الجالية العربية والمغربية واجعلهم يترددون على المراكز الخاصة بهم، فهذا سيجعلهم يشعرون أنهم في بيئة أكثر أمنًا تشبه بيئتهم الأم.. استفد من المنظمات الفرنسية المدنية لدعم المهاجرين في منطقتك، فبعضها يقدم دورات تدريبية وورش عمل، وبعضها يساعد في الإجراءات الإدارية والقانونية، وبعضها يقدم دعمًا اجتماعيًّا، وبعضها يقدم دعمًا صحيًّا ونفسيًّا، وبعض هذه الاستشارات النفسية مجانية تمامًا وبعضها منخفض التكلفة، وهي قد تساعد الأولاد على التأقلم في بيئتهم الجديدة...
فضلا عن ذلك فإن بعض المنظمات تستخدم العلاج بالفن والرياضة لمساعدة المهاجرين الجدد على التعبير عن مشاعرهم، وأهم منظمات أو جمعيات يمكنك الاستفادة منها هي الجمعيات الإسلامية التي تقدم أنشطة رياضية وتعليمية للعائلات المسلمة حتى تساعدهم في الاندماج بطريقة صحيحة، بل يمكننا القول إن الدعم النفسي الديني هو أكثر ما تحتاجه أسرتك، فمن الذكاء يا أخي أن تستثمر نقاط القوة في بيئتك الجديدة.
ـ ابحث عن المنظمات المحلية التي تقدم دعمًا دراسيًّا لأبناء المهاجرين مجانًا أو برسوم رمزية، وناقش قضية تعثر أولادك الدراسي مع المدرسة، وكن على تواصل مع الإدارة المدرسية والإخصائيين النفسيين والاجتماعيين بها وتحدث معهم بصراحة إذا كنت تشعر أن أطفالك يتعرضون للتمييز...
اجعل حديثك مع أبنائك إيجابيًّا وأنك مدرك لصعوبة البداية في مكان جديد، وساعدهم على الاشتراك في الأنشطة الرياضية والثقافية فهي ستعزز من ثقتهم بأنفسهم وترفع عنهم الشعور بالدونية.. وعليك أن تزرع فيهم الثقة بهويتهم وأنها مصدر قوة وليست عيبًا، وأن الاندماج لا يعني الذوبان، وأن عليهم أن يخبروك إذا تعرضوا للعنصرية أو التنمر، وعليك أن تعلمهم كيف يواجهون أي موقف عنصري بطريقة ذكية دون عنف أو استسلام.
ـ شجع زوجتك على تلقي دروس اللغة إن لم تكن تتقنها فهذا يساعدها على الاندماج ويمنحها ثقة في نفسها في مواجهة المجتمع وسيساعد على المشاركة في الأنشطة ويقلل من شعورها بالعزلة ومن ثم اعتمادها النفسي والعاطفي عليك، وحتى يحدث ذلك ساعدها على التعرف على المجتمع الداعم من الجالية المغربية الكبيرة ومن ثم حصولها على بعض الصديقات خاصة المحجبات حتى يمكن دعمها إذا تعرضت لمضايقات.
ـ بناء علاقات وصداقات مع الجيران سواء كانوا مغاربة أو فرنسيين يساعد على شعوركم بالأمان والاندماج ويمنع عنكم شعور العزلة.. نفس الأمر ينطبق على المشاركة في المناسبات والفعاليات المجتمعية المحلية، وإذا كانت الضاحية التي تسكنها تتسم بالعنصرية أو العداء للعرب والمسلمين أو يتصاعد فيها نمو التيارات اليمينية المتطرفة فأنصحك بالبحث عن ضاحية أخرى أكثر أمنًا وتكون ملائمة أكثر للعائلات المهاجرة بحيث تشيع فيها روح التسامح، سواء بتنوعها الثقافي أو بوجود جالية مسلمة كبيرة ومساجد وجمعيات إسلامية طبعًا مع مراعاة الميزانية حتى لا تثقل على نفسك، حيث إنه يجب أن تخلق لونًا من التوازن بين البيت والعمل.
وأخيرًا، إذا عملت جهدك على مدار عامين لكي تساعد أسرتك على الاندماج الإيجابي دون جدوى أو إذا تفاقمت المشكلات.. إذا شعرت أن أولادك يتجهون للجنوح أو عانوا من الاضطرابات النفسية والسلوكية أو استمر الشعور بالدونية والغربة والرفض مسيطرًا على عائلتك فيجب عليك أن تفكر جديًّا للهجرة العكسية للمغرب أو دولة أوربية أخرى غير فرنسا تكون أكثر تسامحًا ولا يتصاعد فيها نمو اليمين المتطرف ولا تسعى لفرض العلمانية اللائكية المتطرفة؛ فالعيش فرنسا وإن لم يكن مستحيلا فهو لم يعد بالأمر السهل.. وفقك الله، وكتب لك الخير، وأقر عينك بأسرتك وأولادك.