الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
45 - رقم الاستشارة : 1840
05/05/2025
السلام عليكم.. مشكلتي التي تؤرق عليّ حياتي وتمنعني من السعادة أنني متزوجة من رجل لا يغار عليّ أبدًا.. هو رجل هادئ الطباع لطيف المعشر يتعامل معي برقي، ولكنني لم أشعر يوما إنه يغار عليّ، على الرغم من أنني في مجال عملي ألتقي بكثير من الرجال سواء من الزملاء أو الجمهور.. وعندما أقول له ألا تغار عليّ يقول لي إن ثقته في مطلقة.
أنا بفضل الله أرتدي الحجاب الشرعي، وأتعامل مع الجميع باحترام في حدود العمل وأعرف حدود ديني، ولكنني كأنثى أشعر بالنقص من عدم غيرته، وعندما تشكو أمامي امرأة من غيرة زوجها الشديدة أتمنى أن أكون مكانها وأجرب هذا الشعور.. فهل هناك حل لمشكلتي هذه؟
أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع...
قبل أن أجيب –غاليتي- عن استشارتك أريد أن أحكي لك قصة حدثت بالفعل وخلّد ذكرها القرآن الكريم، فلعل في هذه القصة إجابة سؤالك، إنها قصة قوم سبأ مع النعمة تلو النعمة، فهم لم يشكروا النعمة الأولى فضاع جزء كبير منها {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُواۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}.
إنها قصة متكررة، سواء على المستوى الفردي كصاحب الجنتين في سورة الكهف، أم على المستوى الجماعي كما حدث مع قوم سبأ...
لكن قوم سبأ لم يكتفوا بالجحود وعدم شكر النعمة بل زهدوا في النعمة ورأوها شيئًا يدعو للملل، فلقد كان طريقهم آمنًا سلسًا وقد انتشر على جانبيه القرى المتجاورة المتقاربة لكنهم أرادوا طريقًا وعرًا.. أرادوا الصحاري المهلكة.. أرادوا المغامرة في السير لا هذه الطرق الهادئة الساكنة فكانت النتيجة تمزقهم وتشتتهم {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمۡ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
هذه الآيات تقدم نموذجًا للبطر الجماعي فبدلاً من الشعور بالنعمة وشكرها رأوا فيها عبئًا ومللاً وطلبوا الصورة المناقضة لها، يقول صاحب الكشاف: بطروا النعمة، وبشموا. أي: سئموا- من طيب العيش، وملوا العافية، فطلبوا النكد والتعب، كما طلب بنو إسرائيل البصل والثوم، مكان المن والسلوى.
وكثير من الناس يعيشون هذه التجربة بصورة فردية فيشعرون أن النعمة التي يعايشونها مملة غير مثيرة فيزهدونها أو يطالبون بعكسها حتى إذا زالت النعمة وتحقق عكسها شعروا بالندم كلهب يحرق القلوب.
أختي الكريمة، لقد رزقك الله بنعمة غالية زوج راق في تعاملاته يحبك ويحترمك ويثق فيك؛ لأنك أهل لهذه الثقة يتعامل معك بلطف وهدوء، فبدلاً من أن تشكري الله على هذه النعمة التي تفتقدها الكثيرات تشعرين بالملل منها وتتشوقين أن تخوضي تجربة الغيرة الحارقة التي لو تعلمي كم تعاني منها كثير من الزوجات وهي تشعر باهتزاز الثقة بينها وبين زوجها، خاصة لو تلفظ بألفاظ قاسية أو ألمح تلميحات تقلل من كبريائها لأدركت كم أنت في نعمة وعافية.
الغيرة المحمودة هي تلك التي لها علة؛ لذلك قال النبي ﷺ: (الغيرة غيرتان: غيرة يحبها الله وغيرة يبغضها الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في موضع الريبة، وأما التي يبغضها فالغيرة في غير موضع ريبة).
وأنت –غاليتي- امرأة مؤمنة ملتزمة بحجابك الشرعي، لا تخضعين بالقول، لا تتعاملين مع زملائك إلا في حدود العمل، ولا تتعاملين مع الجمهور إلا في حدود الخدمة التي تقدمينها، إذًا أنت خارج دائرة الشك والريبة؛ فالغيرة عليك في هذه الحالة مذمومة، لأنه كما قال لك إن ثقته فيك مطلقة، فكوني على قدر هذه الثقة، واحمدي الله عليها، وإياك والسير على طريق أهل سبأ ممن زهدوا النعمة وأرادوا نقيضها فكانت عاقبتهم بالغة السوء وأصبحوا أحاديث للناس.
اشغلي مشاعرك –غاليتي- بالتفكير في زوجك.. في الاهتمام به.. في طلب مزيد من الاهتمام منه في قضاء وقت دافئ بصحبته أو بالخروج والنزهة وكسر دائرة الروتين ولا تجعلي الشيطان يعبث بأفكارك ومشاعرك.. أسعد الله قلبك، وتابعيني بأخبارك.