الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
46 - رقم الاستشارة : 1422
24/03/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، معكم أخوكم عبدالمعطي السيد، من مصـر، وإليكم سؤالي -وأرجو أن تتحمّلوني- أقرأ القرآن الكريم كثيرًا، لكني للأسف لا أشعر بطعمه أو لذته، ولا أجد لكلماته وقعًا في قلبي كما كنت أتمنى.
لا أدري هل المشكلة في قسوة قلبي، أم في انشغالي بالمشوشات الحياتية، أم أنني لا أعرف كيف أتدبر القرآن الكريم وأعيش مع معانيه؟ أشعر بالحزن لأنني أعلم أن القرآن هو أعظم كلام وأكرم كتاب، وهو مصدر الهداية والطمأنينة، لكني لا أجد أثره في حياتي كما ينبغي.
فكيف يمكنني أن أتعامل مع القرآن الكريم بطريقة صحيحة تعيد إلى قلبي الإحساس بعظمته وتملأ روحي بحلاوة معانيه؟ وما هي واجباتي تجاهه حتى أستفيد منه كما استفاد الصحابة والسلف الصالح؟
فأرجو إرشادي إلى خطوات عملية وعلمية تعينني على تذوق حلاوة القرآن الكريم، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أخي الكريم، نشكرك على حرصك وسؤالك، وشرف لنا أن نتواصل مع أصحاب القلوب اليقظة أمثالك، واعلم بأنَّ فقدان لذة القرآن من المشكلات التي يشتكي منها الكثير من المسلمين، رغم حرصهم على قراءته، وهذا يدل على أن المسألة تحتاج إلى معالجة قلبية وعملية معًا. فالقرآن نورٌ، ولا يستقر النور في قلبٍ انشغل عنه أو لم يُحسن التفاعل معه. لذا، فإن الحل يبدأ من إعادة ترتيب علاقتك مع القرآن وتصحيح طريقتك في تلاوته وتدبره. وإليك الآتي وفقا لاستشارتك الكريمة:
أولا: كيف أتعامل مع القرآن الكريم بطريقة صحيحة؟
وحتى تتعامل مع كتاب الله المجيد بطريقة صحيحة، يمكنك القيام بالآتي:
1) تهيئة القلب لاستقبال القرآن: فقبل أن تمسك بالمصحف، استشعر أنك تتحدث مع الله، وأن هذه الآيات رسالة شخصية موجهة إليك، وأصلح نيتك، واقرأ القرآن لا لمجرد الأجر والثواب، بل ليكون منهج حياتك، وابتعد عن الذنوب والمعاصي، فإنها تحجب نور القرآن عن القلب. قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن العبد ليُحرم العلم بالذنب يصيبه".
2) قراءة القرآن بتدبر وليس بمجرد التلاوة، فلا تجعل همّك هو إنهاء وردك اليومي فقط، بل ركّز على فهم ما تقرأ، ويمكنك استخدام التفسير الميسر لمعرفة معاني الكلمات التي لا تفهمها، واسأل نفسك بعد كل آية: ما الرسالة التي تحملها هذه الآية لي؟ وكيف أطبقها في حياتي؟
3) العيش مع القرآن في كل تفاصيل حياتك، فاجعل القرآن جزءًا من يومك، استمع إليه في أوقات الفراغ، وتأمل في آياته أثناء العمل أو التنقل، وطبّق ما تقرأه، فمن أعظم أسباب القرب من القرآن أن تعمل به، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ والعبرة في الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
4) التفاعل الوجداني مع القرآن: حاول أن تتخيل المشاهد التي تصفها الآيات، فحين تقرأ عن الجنة، عش لحظات النعيم، وحين تقرأ عن النار، استشعر الخوف منها، واستخدم صوتك للتفاعل مع الآيات، فارفع صوتك عند الآيات التي تتحدث عن النصر والعزة، وخفِّضه عند آيات العذاب والرهبة، ويمكنك أن تتدبر كيف خاطب الله أنبياءه، وكيف تحدث عن عباده الصالحين، واستلهم الدروس والعبر من قصصهم.
5) الاهتمام بحفظ القرآن والعمل به: احفظ بعض الآيات وكرّرها طوال اليوم، فهذا يعينك على التأمل فيها، واجعل لك وردًا ثابتًا من القرآن، ولكن لا تجعله عادة روتينية، بل جدد نيتك مع كل قراءة، ثم اسأل نفسك دائمًا: هل أنا أطبق ما أقرأ؟ فإن وجدت تقصيرًا، فاستغفر وابدأ في العمل بما تعلمته.
ثانيًا: واجباتنا نحو القرآن الكريم
واعلم بأن للقرآن واجبات علينا نحن المسلمين؛ لتتحقق الفائدة من الصلة به، ومن بين تلك الواجبات ما يأتي:
1) تعظيم القرآن واحترامه: قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ فلا بد أن يُعامَل القرآن بما يليق به من توقير وتعظيم، فاحرص على قراءته وأنت في حالة طهارة، وفي مكان هادئ يمنحك الخشوع.
2) تدبر القرآن والعمل به: حيث لا يكفي أن نقرأ القرآن دون أن نفكر في معانيه. فإنما أنزل القرآن ليُعمل به، فلنتخذ تلاوته عملاً، واجعل لنفسك عادة يومية في تدبر معاني القرآن ولو في بضع آيات.
3) تعليم القرآن ونشـره بين الناس: وليس هناك أشهر من قول النبي ﷺ في هذا الإطار: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، فاجعل لنفسك نصيبًا من نشر آيات القرآن بين أصدقائك وعائلتك، ولو بمشاركة تفسير آية يوميًّا عبر وسائل التواصل.
4) جعْل القرآن رفيقًا في حياتنا اليومية: ليكن القرآن مرجعك في القرارات الكبيرة والصغيرة، واستشـره في كل أمورك، واستحضر أن الصحابة لم يكونوا يحفظون الآيات فقط، بل كانوا يطبقونها عمليًّا، فتغيّرت حياتهم وأحوالهم بها، يقول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
وختامًا:
إن القرآن هو كلام الله، وهو الروح التي تحيي القلوب، والنور الذي يبدد ظلمات الشك والقلق، والهداية التي تنير دروب الحائرين. فمن لم يجد طعمه، فليبحث عن قلبه، وليجدد نيته، وليقترب منه بروحٍ متعطشةٍ للهداية، فإن الله وعد أن يهدي من يسعى إلى الهداية بصدق، ونسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وأن يرزقنا تلاوته وتدبره والعمل به على الوجه الذي يرضيه عنا. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.