الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
111 - رقم الاستشارة : 1432
25/03/2025
شيخنا الفاضل، لما بقرأ عن أهوال يوم القيامة، بحس إن المشاهد دي أكبر بكتير من استيعابي، وبيجيلي خوف شديد من إني ممكن ماكونش مستعد لليوم ده.
ساعات الخوف ده بيخليني أحس بالعجز بدل ما يكون دافع ليا إني أعمل الصالحات وأقرب من ربنا.
إزاي أقدر أحوّل التفكير في الآخرة لحافز يقويني على الطاعة بدل ما يكون مجرد مصدر للرهبة والقلق؟
أخي الكريم، أسعدتني رسالتك، وأسأل الله أن يشرح صدرك، وينير قلبك بنور اليقين، وأن يجعل تفكيرك في الآخرة سلّمًا يقربك منه، لا حاجزًا يحول بينك وبين العمل. وأشكرك على صدق مشاعرك وحرصك على أن يكون إيمانك دافعًا لا مثبطًا، وهذا في حد ذاته علامة خير وباب أمل، فنسأل الله أن يوفقك لكل خير، وبعد...
فإن التفكير في أهوال يوم القيامة من الأمور التي تحتاج إلى توازن إيماني، فكما أن الخوف من الله مطلوب، فإن الرجاء في رحمته هو الذي يمنح القلب الطمأنينة والقدرة على الاستمرار في الطريق. يقول الله تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر: 49 و50]، فالله جمع في هذه الآية بين الترهيب والترغيب، ليكون المؤمن في حال توازن بين الخوف والرجاء.
كيف أستوعب مشاهد القيامة دون خوف معيق؟
من رحمة الله -تعالى- أنه أعطانا تصورات عن يوم القيامة في كتابه وسنة نبيه ﷺ، لا لنعيش في قلق دائم؛ بل لنتهيأ له بالعمل. وقد كان النبي ﷺ يوازن بين ذكر أهوال القيامة وذكر رحمة الله؛ ففي الحديث: «لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العُقُوبَةِ، مَا طَمِعَ فِي جَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ» [رواه مسلم]. فكما أن العذاب عظيم، فإن الرحمة أوسع وأعظم.
ولذلك، تأمل في قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: 34- 37]، هذه المشاهد ترسم لنا ملامح ذلك اليوم العظيم؛ لكنها ليست دعوة لليأس؛ بل تذكير بأننا ما زلنا في دار العمل، وما زالت أمامنا الفرصة لنعدَّ العدَّة لهذا اليوم.
كيف أستعد ليوم القيامة وأجعل الخوف دافعًا للعمل؟
الخوف من الآخرة ينبغي أن يكون دافعًا إيجابيًّا للمرء للنجاة والفوز، وذلك بالسعي في طاعة الله ومرضاته. ومن طرق تحقيق ذلك:
1- التقرب إلى الله بالطاعات: اجعل كل عمل تقوم به قربى لله، سواء في العبادات أو المعاملات، وأخلص النية، فالله لا يضيع أجر عبدٍ أحسن عمله. قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7 و8].
2- التوبة المستمرة: مهما كان تقصيرك، فباب التوبة مفتوح، والله يحب التوابين. قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» [رواه مسلم].
3- نتدبر آيات الرحمة كما نتدبر آيات العذاب: فكثير من الناس يركزون على أهوال القيامة وصعوباتها، دون أن يتدبروا آيات الرحمة والرجاء. تأمل -مثلًا- قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، فهذا نداء من الله لنا كي نتسابق إلى الجنة التي هي أيضًا في الآخرة، وغيرها كثير من الآيات.
4- الصحبة الصالحة: من الأمور التي تثبت القلب وتزيد الحافز للآخرة هي الصحبة الصالحة، فمن رافق أهل الطاعة زاده ذلك رغبة في الخير. قال الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]، وقال رسول الله ﷺ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» [رواه أبو داود والترمذي].
كيف أحقق التوازن بين الخوف والرجاء؟
يقول الحسن البصري رحمه الله: «المؤمن يعمل بالطاعات، وهو مشفق وجل، والفاجر يعمل بالمعاصي، وهو آمن». فالمطلوب أن يكون الخوف حافزًا؛ فلا يصل إلى حد القنوط، ولا ينزل إلى حد الأمن الزائد من مكر الله. والميزان في ذلك أن تكون خائفًا من ذنوبك، لكنك في الوقت نفسه تحسن الظن بالله، كما قال النبي ﷺ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ» [رواه مسلم].
وختامًا -أخي الكريم- ما دمت تحمل هذا الهم، فأنت على خير، والخوف الذي تشعر به دليل على حياة قلبك. اجعل خوفك طريقًا للعمل، وليس عائقًا عن المسير، وأكثر من ذكر الله، واستعن به، وأبشر برحمة أرحم الراحمين. قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَإِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ» [متفق عليه].
أسأل الله أن يرزقك السكينة، وأن يوفقك للعمل الصالح، وأن يجعل تفكيرك في الآخرة قنديلًا ينير لك الطريق، ولا تنسَ أن رحمة الله سبقت غضبه، وأنك عبدٌ لربٍّ كريمٍ جواد. والحمد لله رب العالمين.