الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
56 - رقم الاستشارة : 1719
22/04/2025
يعطيكن ألف عافية، ومشكورين كتير على كل الجهد يلي عم تبذلوه لخدمة الناس وتوجيههم لطريق الخير.
أنا سيدة دايمًا بحاول أقرّب من ربّي، وبتابع الدروس والمحاضرات الدينية على قد ما بقدر، وفي حديث عم بسمعو كتير بالفترة الأخيرة وبيأثّر فيي بشكل خاص، وهو: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك".
بس مع كل هيدا التأثر، حسّيت إنو في أشياء مش واضحة عندي، وبتمنى من حضرتكن تساعدوني.
أول شي، هل هيدا الحديث صحيح؟ وشو صيغته الكاملة؟
شو معنى "احفظ الله يحفظك"؟ كيف ممكن الإنسان "يحفظ الله"؟ نحنا عبيد الله وهو الغني عنّا!
وكمان، شو المقصود بقول النبي: "تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"؟ كيف بتصير هالمعرفة؟ وشو الفرق بين اللي بيتقرّب من الله بوقت الراحة، وبين اللي ما بيفكر إلا وقت الضيق؟
الله يجزيكن كل خير.
أهلًا وسهلًا بكِ أختي الفاضلة، وأحييكِ على رسالتكِ الطيبة، وأسأل الله أن يفتح لكِ من أبواب رحمته ما يُقرُّ به عينكِ، ويملأ به قلبكِ سكينةً ويقينًا، ويجعل لكِ في كل خطوة نورًا وبركة، وبعد...
فالحديث الذي سألتِ عنه حديثٌ عظيم، من كلماتٍ جامعةٍ نطق بها رسول الله ﷺ، تُضيء الطريق لمن أراد أن يسلك درب القرب من الله، وتُعلِّم المؤمن كيف يكون عبدًا لله في كل حال: في الرخاء والشدَّة، في الظاهر والباطن. فهو حديثٌ إن تشرَّب القلب معانيه، صار زاده في الطريق، وسنده في البلاء، ونورًا في الظلمة.
رتبة الحديث وصيغته الكاملة
هذا الحديث صحيح؛ بل هو من أعمدة التربية النبوية في الإيمان واليقين والتوكل، وقد رواه الإمام الترمذي في سننه، وقال: «حسن صحيح»، وصححه الشيخ الألباني. وهو من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت خلف النبي ﷺ يومًا، فقال: «يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعتْ علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ».
وله روايات أخرى، منها رواية الإمام أحمد في مسنده، ولفظها: «احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أنَّ ما أخطأك لم يكن ليُصيبك، وما أصابك لم يكن ليُخطئك، واعلم أنَّ النصر مع الصبر، وأنَّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرًا».
فانظري يا أختي إلى هذا الحديث، كيف جمع بين العقيدة، والتوكل، والرضا، والصبر، وتفسير ما يجري في الحياة من خير أو بلاء، كل ذلك في كلماتٍ يسيرة، لكنّها عظيمة التأثير.
معنى «احفظ الله يحفظك» وكيف يحفظ العبد ربَّه؟
إن قول النبي ﷺ: «احفظ الله»، لا يُفهم منه حفظ العبد للذات الإلهية؛ فالله سبحانه غنيٌّ عن العالمين، لا يحتاج إلى من يحفظه، تعالى شأنه.
لكن معنى «احفظ الله» هو: احفظ أوامره ونواهيه، احفظ حدوده، احفظ شريعته في نفسكِ وسلوككِ ونيَّتكِ، أن تجعلي حياتكِ دائرة في طاعة الله ومحبته، ومراقبته في السرِّ والعلن. فمن حفظ الله على هذا النحو حفظه الله، وكان معه، وسدَّده، وثبَّته، ووقاه الشرور.
فإن حفظتِ الله، حفظكِ في دينكِ من الزلل، وفي قلبكِ من الضياع، وفي وقتكِ من التبديد؛ بل يحفظكِ من حيث لا تحتسبين، في مواطن الشدَّة، وفي خبايا الأقدار، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: 38].
معنى «تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة»
«تعرَّف إلى الله في الرخاء»، أي في وقت السعة، والنعمة، والأمن، والطمأنينة، فلا تنتظري الشدائد لتلجئي إلى الله، بل اجعلي لسانكِ عامرًا بذكره، وقلبكِ حاضرًا بين يديه، في أيام الصحة كما في المرض، في الغنى كما في الفقر، في الفرح كما في الحزن.
فمن تعوَّد القرب من الله في أوقات الرخاء، صار قلبه معلقًا به، فإذا جاء البلاء وجد الله معه، يثبِّته، ويُلهمه، ويُخرجه من الظلمات إلى النور.
الشرح المُجمَل للحديث
أختي الكريمة، هذا الحديث مدرسة في بناء الإيمان:
- «احفظ الله يحفظك»: تربية على المراقبة، والانضباط في السلوك، وغرس لليقين بأن الطاعة هي الحصن الحقيقي للعبد.
- «احفظ الله تجده تجاهك»: إشعار دائم بأن الله قريب، يسمعكِ، يراكِ، يدبِّر أمركِ، فيكون شعور الأنس به أقوى من شعور الوحشة من الخلق.
- «إذا سألتَ فاسأل الله» دعوة للتعلُّق بالله وحده، وأن يكون ملجأكِ الأول، لا الناس ولا الأسباب.
- «وإذا استعنتَ فاستعن بالله»: الإيمان بأن القوة منه جل وعلا، والنتائج بيده، وأن الاستعانة به ليست فقط في المصائب، بل في كل تفاصيل الحياة.
- «واعلم أن الأمة...» إلى آخر الحديث: ترسيخ عقيدة القضاء والقدر، ليطمئن القلب، ونعلم أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا. فكل شيء قد كُتب وقُدِّر من قبل الله.
وختامًا -أيتها الطيبة- إنّ هذا الحديث ليس فقط درسًا في العقيدة؛ بل هو طريق حياة. علِّقي قلبكِ بالله، واحفظي ودَّه، وتعاملي معه بأنه أقرب إليكِ من وريدك، وكوني أَمةً له في السراء والضرَّاء، وستجدينه -سبحانه- أرحم عليكِ من كل خلقه، وستلمسين قربه في تفاصيل لا يشعر بها أحد سواكِ.
أسأل الله أن يجعلكِ من عباده المحفوظين، الذين إذا دعوه أجابهم، وإذا رجوه قرَّبهم، وإذا استعانوا به أعانهم، وأن يرزقكِ الحفظ في الدين والدنيا. والله تعالى أعلى وأعلم، والحمد لله رب العالمين.