الإستشارة - المستشار : أ. عزة مختار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
204 - رقم الاستشارة : 1703
21/04/2025
أنا إنسانة عادية، تربيت في وسط عادي، أهلي غير حريصين على الحجاب أو الالتزام، من يريد أن يفعل شيئا يفعله، حجاب أو غيره، نصلي أو لا نصلي، فتلك أشياء تخصنا ولا أحد يوجهنا إليها أو يمنعنا عنها.
تزوجت من إنسان عادي أيضا، تزوجنا عن حب وعلاقة أمام الأهل قبل الزواج، يعمل في مجال الإرشاد السياحي، واضطررنا للعيش في مدينة سياحية ساحلية بأحد الفنادق الكبرى حيث الاختلاط ومظاهر السفه تجتمع صيفا وشتاء بين السياح الأجانب من كل حدب وصوب، وهو يضطر للسهر أحيانا في تلك الأماكن مع أفواج سياحية، ولأنه يسهر كثيرا ويتركني بالبيت وحدي مع ابنتنا الصغيرة، فأضطر في بعض الأوقات للسهر معه حيث يصاحب أحد الأفواج في تجولاتهم، أذهب معه حيث يذهب وأسهر معه حتى الصباح أو حتى ينهي عمله.
وأما عن ملابسي فأنا بطبيعتي أحب الاحتشام وليس التكشف، ربما ليس حبا في الالتزام بالحجاب، وإنما هو تعود ليس أكثر، فلم اعتد على كشف شعري، لكنني لست حريصة على إخفائه كله، وأرتدي البناطيل الضيقة والملابس اللاصقة، وبالرغم من كونها كذلك، إلا أنها بالنسبة للوسط الذي أعيش فيه يعتبر التزاما جيدا، أحاول الالتزام بالصلاة قدر استطاعتي بالرغم من فوات فروض كثيرا بسبب طبيعة عمل زوجي التي تقتضي السهر ليلا والنوم نهارا.
فجأة قررنا أن نذهب لأداء العمرة معا، كنوع من تغيير الوسط السيئ الذي نعيشه، والتماسا للراحة النفسية، ذهبنا بالفعل للعمرة وأديناها، وفي الحرم، عشت بمشاعر جميلة لا أستطيع وصفها، ارتديت العبادة الواسعة وأحببتها، وقررت أنني حين أعود سوف ألتزم بها، ولن أعود للملابس الضيقة والشفافة.
وحين عدنا، وعاد زوجي للعمل، ذهبت معه بالعباءة أول مرة، فشعرت بالخجل بين الحضور، الخجل من نفسي على وجودي بها في هذا الوسط، والخجل من نظراتهم لي وكأنني متسولة في المكان الخطأ، مرة بعد مرة لم أستطع الذهاب بها، ارتديت ملابسي القديمة، وعدت لأدوات التجمل مع كرهي لذلك، وظهر جزء من شعري ورقبتي"، ولم أعد أتذكر من العمرة إلا أن الله غفور رحيم، وأنه سوف يغفر لي تقصيري.
في قرارة نفسي أشعر أن هناك خطأ ما، وأنني يجب أن أعود، لكن هناك هاتفا آخر يقول لي أنني ما زلت صغيرة، وأنني إن تمسكت بالعباءة والحجاب فإن زوجي سوف يفتن من مخالطته للأجنبيات، وأن من واجبي أن أكون بجانبه حتى لا يقع في الخطأ في وسط يسهل فيه ارتكابه، وأقع وما زلت واقعة في ذلك الصراع بداخلي، ولم أعد أعرف إلى أين أسير، وما هو مصيري، فدلوني بالله عليكم وأرشدوني إلى ما يرضي ربي، وكيف أثبت عليه؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، النبي القائد العربي الأمين، ثم أما بعد:
بداية أرحب بك بيننا على صفحة استشارات المجتمع، وأحييك من كل قلبي على نفسك الحية اللوامة بالرغم من ظروف نشأتك، وظروف زواجك، وظروف عمل زوجك والوسط الذي تعيشين فيه، وبالرغم من ذلك، فأنت تحاولين رغم الإخفاق الكبير بسبب ما يحيط بك ولم تحاولي تغييره بشكل قاطع وحقيقي.
إن مشكلتك يا حبيبتي هي مشكلة معظم المسلمات في واقعنا المعاصر، وفي ظل استحداث وظائف قد تتعارض مع الشرع والمروءة لما فيها من اختلاط وتجاوزات قد تصل لارتكاب المحرمات بصورة كبيرة، منها وظائف السياحة على سبيل المثال، بالرغم من أنه يمكن أن يتم اجتناب بعض الموبقات بها إذا أرادت الشركات ذلك، ولكن، وبما أنه لا يتاح تلك الأجواء في وقتنا الحالي فسوف ننتقل للحل مع التسليم بعدم تغير ظروف العمل حاليًا.
وهنا أسوق لك يا حبيبتي حكاية سوف نخرج منها ببعض التوصيات للوصول إلى حل يحفظك وزوجك وبيتك من الوقوع في المعصية بحجة الرزق وأكل العيش وأنه ليس في الإمكان إلا الموجود.
قال صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على راهب، فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريقَ أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط. فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم حكمًا، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسموا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة" (متفق عليه).
وفي وراية في الصحيح: "فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها"، وفي رواية في الصحيح: "فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقاربي، وقال: قيسوا ما بينهما فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له".
ولنتأمل ابنتي الحبيبة الدروس المستفادة من هذا الحديث الصحيح، وأعترف بالرغم من صعوبة الأمر وكيف أن الدخل الناتج من العمل في مجال السياحة لا يمكن تعويضه من عمل آخر سوف يكون أقل بكثير من عمل زوجك الحالي، فالأمر شاق على النفس التي لا تستحضر إيمانها الكامل بالله الرزاق.
لقد حاولت أنت وزوجك التوبة مما تشعرون أنه خاطئ، وأنه لا يرضي رب العالمين، فتوجهتم إلى أداء العمرة التماسًا لأجرها، والتماسًا كذلك لراحة البال والضمير، وترضية للنفس اللوامة التي تضغط عليكم بعض الوقت، وحفاظًا حبيبتي على تلك النفس اللوامة، وتقوية لها عليكما معًا القيام بعدة إجراءات أشار إليها الحديث الشريف، والذي يرشدنا للطريق الصحيح للتوبة الصادقة والرجوع إلى الله والحفاظ على الوازع الإيماني الذي ما زال موجودًا، لكنه معرض للانتكاسة طالما أنه ما زال في المكان الذي تُرتكب فيه المعاصي.
لذلك فأول طريق التوبة الصحيحة هو مغادرة أرض المعصية على الفور وبكل قاطع، وقطع طريق العودة إليه، ففيه كل وسائل الإعانة على قتل الروح الإيمانية، وذلك باعتياد المشهد، ومن اعتاد ألف المشهد، ومن ألفه فسرعان ما يحل الحرام، ويستنكر النصح، ويجد لنفسه ألف مبرر في المكوث والانتكاس، ولذا، فلم تؤثّر عودتكما من العمرة بشكل كبير، ولم يمر وقت طويل حتى فترت همتك، وعدت إلى الحياة القديمة بكافة شروطها، وقد كان الأولى العودة منها لمكان جديد، بعمل جديد، ولو كان دخله قليلاً، فالله عز وجل يبارك في هذا القليل
إنني رغم كل ما يدور حولكما ومعكما، فإنني أتوسم فيك الخير والبركة لتفكيرك واستغراقك في مسألة التوبة رغم بعد بيئتك التربوية عن تلك الأجواء، وأعتقد بشكل كبير في أن نفسك سوية، وما هي إلا خطوات بسيطة نحو الطريق القويم باستعانتك بالله، وإعانة زوجك على ذلك القرار.
كوني دافعة له على سلوك طريق الرجوع، شجعيه بقوة أنك تريدين تربية ابنتك تربية صحيحة في وسط صحيح، وأنك حريصة على الرزق الحلال ولو كان قليلا فأنت راضية، وأنك ستبقين معه مهما كانت صعوبة الظروف شرط الاستغناء عن شبهة الوقوع في الحرام، وأنك لن تطالبيه بالكثير حتى يقف على قدميه ويحل مصدر دخله، فصبرك على الجوع أهون من صبرك على النار.
اجعلي لنفسك صحبة طيبة، فلن تعدمي وجود مسجد في المنطقة التي تعيشين بها، أو ارحلوا فورا من ذلك المكان ولا تخشي على رزقك فهو أولا بيد الله وحده، اقطعي علاقتك تماما بتلك الأماكن تحت أي دعوى، حتى لو كانت حماية زوجك من الفتن، فتلك الدعوى في حد ذاتها فتنة يجب عدم التعلل بها، ارحلا معا وأنقذا نفسيكما من نار محققة.
ابحثي عمن تعلمك القرآن، وتعلمك الدين، واصنعي حولك مجتمعًا آخر؛ فالمسلم وحده نهبة للشيطان، وهو بإخوانه أقوى وأكثر صلاحًا إن كانوا صالحين، خذي بيد زوجك وشجعيه فأنت ميزان البيت، وربما هو ينتظر منك تلك الخطوة ويخشى اتخاذها خوفًا على رزقه وخوفًا عليك وابنته، بادري أنت بها، والله معك يثبتك ويرعاك.
هدى الله قلبك، وثبتك على ما يحب ويرضى، وهدى زوجك للصلاح والتقى، ورزقكما من ححيث لا تحتسبان، وتذكري قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (الطلاق: 2-3)، وننتظر منك ما يطمئننا عليك في كل وقت، دمت بخير وسلام يارب العالمين.