كيف أقنع فتاة بأن ارتداء البنطال ووضع المكياج تبرج محرم؟

Consultation Image

الإستشارة 18/10/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لدي استفسار ملحّ يقلقني كثيرًا وأبحث عن جواب مقنع يضيء لي الطريق. هناك فتاة أعرفها، وهي زميلة وصديقة مقربة، ترتدي البنطال بشكل دائم وتضع مساحيق التجميل عند خروجها من البيت. حاولت مرارًا وتكرارًا أن أنصحها برفق ولين، وأرسلت لها فيديوهات ومحاضرات لعلماء ثقات يبينون فيها أن هذا الفعل من التبرج المنهي عنه في الإسلام، وأنه مخالف لأمر الله ورسوله ﷺ. لكنها تصرّ على موقفها وتقول لي بكل ثقة: "أنا لست متبرجة، وهذا ليس حرامًا، ولا أرى في لبسي وزينتي ما يخالف الدين".

لقد أثار ذلك حيرتي وتساؤلي: كيف يمكن أن أوصل إليها الحق بطريقة مقنعة تجعلها تفكر بجدية في الأمر؟ وهل هناك منهجية شرعية وعملية تساعدني على إقناعها بأن ارتداء البنطال الضيق ووضع المكياج أمام الناس هو من التبرج الذي نهى الله عنه؟

الإجابة 18/10/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيتها الأخت الكريمة، مرحبًا بكِ، وأسأل الله أن يبارك في غيرتك على دينه، وأن يكتب لك أجر النصيحة والدعوة بالحسنى، وأن يهدي صاحبتك إلى سواء السبيل، وأن يثبتك على الحق ويجعل كلماتك نورًا في قلوب من حولك.

 

سؤالك في غاية الأهمية، وهو يعكس وعيًا صادقًا وحبًا للخير، فالدعوة إلى الله مسؤولية عظيمة قال عنها الله سبحانه: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33]. ولأن القضية تتعلق بأمر شرعي (الحجاب والستر) وبجانب تربوي (الإقناع والتأثير)، سأقسم الإجابة إلى عناصر مترابطة تسلم بعضها إلى بعض.

 

فهم معنى التبرج في القرآن والسنة

 

1. تعريف التبرج: التبرج في اللغة مأخوذ من "البرج"، أي الظهور والبيان، وفي الاصطلاح الشرعي: إظهار المرأة ما يجب عليها ستره من زينة أو جسد أمام الرجال الأجانب.

 

2. النهي القرآني الصريح: قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ وقال أيضًا: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ والآيتان واضحتان في أن على المرأة ستر زينتها وعدم إظهارها إلا في حدود شرعية معلومة.

 

3. الأحاديث الصحيحة: قال النبي ﷺ: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا... نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا) وهذا الوصف ينطبق على من تلبس الضيق أو الشفاف أو ما يظهر الزينة، لأنها "كاسية عارية".

 

هل البنطال والمكياج يدخلان في التبرج؟

 

1. البنطال الضيق: قد يغطي الجسد من حيث الشكل، لكنه يصف حجم العورة ويظهر تفاصيل الجسد، وهو ما نهى عنه الشرع؛ لأن المقصود من اللباس الستر لا مجرد التغطية. ولهذا قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (لو رأى رسول الله ﷺ ما أحدث النساء لمنعهن من المسجد كما مُنعت نساء بني إسرائيل).

 

2. المكياج خارج البيت: هو من إظهار الزينة التي أمر الله بسترها، قال تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾، والزينة تشمل كل ما يجلب نظر الرجال الأجانب، ومن ذلك الألوان والأصباغ على الوجه.

 

منهجية الإقناع بالحكمة لا بالجدل

 

1. الرفق أساس الدعوة: النبي ﷺ قال: (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ).. فاللين أبلغ أثرًا من القسوة.

 

2. الاقتراب العاطفي قبل العقلي: قولي لها: "أنا أحب لك الخير وأخاف أن تخسري أجرك العظيم عند الله"، فهذا يستميل القلب أكثر من قول: "أنتِ مخطئة أو متبرجة".

 

3. ربط اللباس بالهوية الإيمانية: اجعليها تفكر أن الحجاب والخمار شرف وكرامة، وأن المؤمنات هن القدوة، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾.

 

الرد على شبهتها "الدين في القلب"

 

1. الدين قلب وجوارح معًا: قال النبي ﷺ: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"، فصلاح القلب يظهر أثره على السلوك.

 

2. العبادة لا تنفصل عن المظهر: الصلاة والصوم أركان عظيمة، لكن الحجاب أمر إلهي لا يقل عنها في وجوب الطاعة. ومن انتقائية الطاعة أن نأخذ بعض الدين ونترك بعضه، قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾

 

شواهد من التاريخ والواقع

 

1. الصحابيات قدوة: نساء الصحابة كن يتسابقن إلى الطاعة، حتى إذا نزلت آية الحجاب بادرن بقطع ثيابهن وستر وجوههن دون جدال.

 

2. الواقع المعاصر: المجتمعات التي تهاونت في مسألة الزي الشرعي ضعفت فيها قيم العفاف، وكثرت المشكلات الأخلاقية. بينما الحجاب حصن يحفظ المرأة من الابتذال والنظرات المريبة.

 

نصائح عملية في التعامل معها

 

1. استمري في النصح لكن غيّري الأسلوب، اجعلي النصيحة حوارًا لا إملاءً.

 

2. اربطي كلامك بالجنة والآخرة، فالترغيب أبلغ من الترهيب.

 

3. ادعي لها في ظهر الغيب، فالقلوب بيد الله وحده.

 

4. كوني قدوة حسنة بلباسك وأخلاقك، فالقدوة أبلغ من ألف كلمة.

 

5. لا تيأسي من طول الطريق، فالهداية تحتاج إلى صبر ومثابرة.

 

أيتها الأخت المباركة، لقد سألت عن أمر عظيم، وأبشرك أن نصيحتك لصديقتك عمل صالح تؤجرين عليه ولو لم تستجب الآن. واجعلي غايتك البلاغ بالحكمة والرحمة، أما الهداية فبيد الله تعالى.

 

نسأل الله أن يفتح على قلب صاحبتك، وأن يرزقها حلاوة الإيمان، وأن يثبتك على الحق، ويجعل منك داعية بالقول والعمل، وأن يكتب لك أجر من اهتدى على يديك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

 

 

روابط ذات صلة:

التبرج والإباحية.. جريمتا العصر!

عن التبرج والسفور

الرابط المختصر :