الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقه الأسرة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
136 - رقم الاستشارة : 2091
14/06/2025
هل الزوج هو سيد المرأة؟ وهل المرأة جارية أو أسيرة عنده؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالرجل ليس سيدًا على المرأة بالمعنى السلبي، ولكنه قيم عليها، والقوامة مسئولية وحفظ، ورعاية وصيانة، وليست استبدادًا ولا طغيانًا، بل الرجل والمرأة عبيد لله تعالى يأتمرون بأمره وينتهون عما نهى عنه.
يقول الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34].
ويقول النبي ﷺ "الرجال شقائق النساء". والحديث يدل على أن النساء نظائر الرجال في أصل الخِلقة والتركيب الإنساني، وفي الأحكام الشرعية المتعلقة بالتكاليف والأوامر والنواهي، إلا ما خُصّ به الرجال عن النساء أو النساء عن الرجال بسبب طبيعتهما المختلفة. فالمرأة كالرجل في أصل التكليف بالعبادات والمعاملات، إلا ما استثني من الأحكام بسبب طبيعة كل منهما.
ويقول صاحب الظلال – رحمه الله – في تفسير الآية السابقة:
إن الأسرة هي المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية. الأولى من ناحية أنها نقطة البدء التي تؤثر في كل مراحل الطريق والأولى من ناحية الأهمية لأنها تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني، وهو أكرم عناصر هذا الكون، في التصور الإسلامي، وإذا كانت المؤسسات الأخرى الأقل شأنًا، والأرخص سعرًا: كالمؤسسات المالية والصناعية والتجارية وما إليها لا يوكل أمرها - عادة - إلا لأكفأ المرشحين لها؛ ممن تخصصوا في هذا الفرع علميًّا، ودربوا عليه عمليًّا، فوق ما وهبوا من استعدادات طبيعية للإدارة والقوامة.
إذا كان هذا هو الشأن في المؤسسات الأقل شأنًا والأرخص سعرًا فأولى أن تتبع هذه القاعدة في مؤسسة الأسرة، التي تنشئ أثمن عناصر الكون العنصر الإنساني والمنهج الرباني يراعي هذا ويراعي به الفطرة، والاستعدادات الموهوبة لشطري النفس لأداء الوظائف المنوطة بكل منهما وفق هذه الاستعدادات، كما يراعي به العدالة في توزيع الأعباء على شطري النفس الواحدة والعدالة في اختصاص كل منهما بنوع الأعباء المهيأ لها، المعان عليها من فطرته واستعداداته المتميزة المتفردة والمسلم به ابتداء أن الرجل والمرأة كليهما من خلق الله.
وأن الله - سبحانه - لا يريد أن يظلم أحدًا من خلقه، وهو يهيئه ويعده لوظيفة خاصة، ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة! وقد خلق الله الناس ذكرًا وأنثى زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون وجعل من وظائف المرأة أن تحمل وتضع وترضع وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل، وهي وظائف ضخمة أولًا وخطيرة ثانيًا، وليست هينة ولا يسيرة، بحيث تؤدى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى.
فكان عدلًا كذلك أن ينوط بالشطر الثاني - الرجل - توفير الحاجات الضرورية وتوفير الحماية كذلك للأنثى؛ كي تتفرغ لوظيفتها الخطيرة؛ ولا يحمل عليها أن تحمل وتضع وترضع وتكفل ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد!
وكان عدلًا كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه، وأن تمنح المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك.
وكان هذا عدلا ولا يظلم ربك أحدًا، ومن ثم زودت المرأة - فيما زودت به من الخصائص - بالرقة والعطف، وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة - بغير وعي ولا سابق تفكير - لأن الضرورات الإنسانية العميقة كلها - حتى في الفرد الواحد - لم تترك لأرجحة الوعي والتفكير وبطئه، بل جعلت الاستجابة لها غير إرادية! لتسهل تلبيتها فورًا وفيما يشبه أن يكون قسرًا، ولكنه قسر داخلي غير مفروض من الخارج؛ ولذيذ ومستحب في معظم الأحيان كذلك، لتكون الاستجابة سريعة من جهة ومريحة من جهة أخرى - مهما يكن فيها من المشقة والتضحية! صنع الله الذي أتقن كل شيء. انتهى مع الاختصار والتصرف اليسير.
والله تعالى أعلى وأعلم