Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 63
  • رقم الاستشارة : 1725
26/04/2025

ابني ٢٥ سنة لا يهتم بمظهره ولا نظافته ومعظم وقته في العمل أو نائم ولا يعمل أي مهام أخرى وصعوبة في الاستيقاظ من النوم.. لا أعرف كيف أقوم سلوكه وهو لا يستجيب النصح ويغضب جربت الحزم والشدة واللين ولم أستطع، هذا الوضع منذ ٧ سنين بلا فائدة.

الإجابة 26/04/2025

أختي الحبيبة،

 

سلام الله عليكِ ورحمةٌ وطمأنينةٌ لقلبكِ الذي أثقلته الهموم، وأحييكِ على مشاعركِ النبيلة وحرصكِ الصادق على صلاح ابنك واهتمامكِ بأمره رغم مرور السنين، فالأمومةُ فطرةٌ وجِبلةٌ لا تَفتر مهما طال الزمن.

 

ولعل أول ما أذكّركِ به ـ وقلبي معكِ ـ قول الله تعالى: {وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}؛ فالتربيةُ جهادٌ طويلٌ، ولعل في صبركِ واحتسابكِ عند الله ثوابًا عظيمًا لا تدرين مداه.

 

سأُحدثكِ الآن بعين التخصص والحكمة التربوية النفسية، فلعل في حديثي ما يعينك على اتخاذ خطوات عملية متدرجة تتناسب مع وضع ابنك ومرحلة عمره:

 

أولًا: علينا أن نفهم لا أن نُدين

 

ابنكِ ـ حفظه الله ـ شابٌّ في سن الرشد (25 عامًا)، وهي مرحلة تُعرف في علم النفس التربوي بمرحلة "Emerging Adulthood" أي "الرشد الناشئ"، والتي تُصاحبها غالبًا حالة من التردد، وعدم وضوح الأدوار، وتأخر في تبني المسؤوليات الكاملة.

 

كما أن ما تصفينه من "صعوبة في الاستيقاظ" و"كثرة النوم" قد يكون له جذور نفسية أو بيولوجية، أو قد يرتبط بمؤشرات على اضطراب المزاج، الاكتئاب الخفيف المزمن، أو حتى الناتج عن ضغط العمل.

 

ثانيًا: من الخطأ أن تُعالَج الفوضى بالغضب بل بالاحتواء والهدوء

 

أعلم كم تحاولين! لكن كثرة النصح، خاصةً إن جاء في قالب التوبيخ أو الشكوى، تُقابَل أحيانًا بما يُعرف في علم النفس بـ Reactance أي "الممانعة النفسية"، وهي رد فعل دفاعي طبيعي لدى بعض الشباب الذين يشعرون أن استقلالهم مهدَّد.

 

لذا فإن أفضل مدخل الآن هو العلاقة الطيبة، لا المحاضرة المستمرة عن الأخلاق والنظافة. اقتربي منه كصديقة، لا كموجِّهة، اطرقي أبواب قلبه لا رأسه، ابدئي بحوار بسيط وغير مباشر، اكتشفي عالمه بهدوء.

 

ثالثًا: لا تطلبي كل شيء دفعة واحدة، بل جزئي المطالب

 

عقله الآن ـ تحت ضغوط العمل أو الضغوط النفسية ـ لا يستقبل الطلبات الكبيرة بسهولة. طبقي معه قاعدة:"Small wins lead to big changes" ، أي "الانتصارات الصغيرة تصنع التغيير الكبير".

 

- ابدئي بطلب مهمة واحدة يوميًّا لا غير: مثل ترتيب فراشه، أو الاستحمام في وقت معين، أو تنظيم خزانته.

 

- امدحي إن استجاب، واصبري إن لم يفعل.

 

- لا تكرري التوجيه كثيرًا في اليوم الواحد، بل اجعليها رسالة واحدة ولغة جسد محبة، ثم اصرفي انتباهك.

 

رابعًا: ادمجيه في "تجربة معنوية" لا مجرد "توجيه سلوكي"

 

اقترحي عليه المشاركة معكِ في أمر خيري، أو حضور جلسة تطوير ذاتي (إن وافق)، أو حتى قراءة كتاب مشترك. لعله يكتشف ذاته من جديد. تذكّري أن الشاب في مثل سنّه قد يكون في حاجة إلى إعادة إحياء الدافعية الداخلية، وهي لا تُبنى بالخوف أو الضغط، بل بالقدوة والإلهام.

 

خامسًا: قد يحتاج إلى تقييم نفسي مهني

 

إذا استمرت هذه الأعراض (قلة النظافة الشخصية، صعوبة الاستيقاظ، الانسحاب الاجتماعي، قلة التفاعل) فينبغي التفكير بجدية في استشارة أخصائي نفسي؛ فربما يعاني من مرحلة متقدمة من الاكتئاب لا قدر الله، أو يحتاج إلى تدخل دعم سلوكي معرفي (CBT).

 

سادسا: رغم أنك كان من المفروض أن تعوديه منذ الصغر على النظام والنظافة الشخصية؛

فإنه يمكن أن نحاول أن ننقذ ما يمكن إنقاذه

 

فيمكنك أن تقومى بإهداء ابنك مجموعة مميزة من العطور والكريمات الخاصة بالعناية بالنظافة الشخصية، لتشجيعه، ولفت نظره بلطف إلى أن رائحة عرقه واضحة، ويهمك جدًّا أن مظهر ورائحة ابنك تكون طيبة وجميلة؛ لأن هناك بعض الشباب يشمئز منهم الناس بسبب رائحتهم غير المقبولة ومظهرهم السيئ.

 

ومن الجيد أن تذكري له بشكل غير مباشر قصصًا لبعض المواقف المخجلة حدثت مع غيره بسبب إهمالهم بالعناية والنظافة الشخصية وقلة الاستحمام، وعن استياء وتهكم بعض الفتيات منهم؛ فالشاب في هذه المرحلة يتحمس للاهتمام بنظافته ومظهره إذا ما شعر بإحراج من المحيطين وخاصة الجنس الآخر.

 

سابعا: لا تنسي الدعاء..

 

فالدعاء مفتاح القلوب المقفلة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات لا تُردّ: دعوة الوالد لولده"، ابكي بين يدي الله في جوف الليل، وارفعي يديكِ بثقة، فقلب ابنك بين أصابع الرحمن، يُقلّبه كيف يشاء.

 

* وهمسة أخيرة لأختي الحبيبة:

 

احتسبي ما بذلتِه من تعب وسهر؛ فالله لا يضيع أجر المحسنين.

 

لا تيأسي من روح الله، ولا تحكمي على ابنك بأنه فاشل أو عاق، بل هو إنسانٌ في حاجة إلى إعادة توجيه وتفهُّم واحتواء. ربما يكون التغيير أقرب مما تظنين، فقط إذا غيرنا نحن زاوية الدخول إليه.

 

أشدّ على يديكِ وأدعو الله أن يرزقكِ صبرًا جميلًا، وقلبًا مُطمئنًّا، وابنًا بارًّا يُقرّ به عينكِ.

الرابط المختصر :