الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
5 - رقم الاستشارة : 1855
06/05/2025
أشعر في هذه المرحلة أن ثقتي في الله تضعف. كأنني أعيش عكس ما أرجوه دومًا، وكلما دعوتُ الله أن يُيسّـر لي أمري، فوجئتُ بأنّ ما يقع لي هو النقيض تمامًا لما تمنّيت. لم أعد أفهم لماذا يحدث كل هذا معي؟ أهو غضبٌ من الله؟ أم أنني أفقد الإيمان؟ أخشى أن أستسلمَ لهذا الشعور، لكنني حقًّا متعب، وأتساءل بصدق: لماذا كلّ هذا الألم؟ وهل فقدتُ الطريق إلى الله؟ أرجو جوابًا يداوي هذا الصدع في القلب، ويعيد لي يقيني وثقتي بربي.
الأخ السائل الكريم: أحييك على استشارتك المهمة، واسمح لي أن ننصت لنداء السماء، ونفتح القلب لدفءِ الوحي، ونرتشفَ اليقين من ينابيع النور؛ فلعلّ الكلمات تُنبتُ فيكِ الطمأنينة من جديد.
يا صاحبَ القلب الموجوع:
إن ما تشعر به الآن ليس غريبًا على الطريق؛ بل هو مَعبرٌ مرّ منه الأنبياءُ والأولياءُ والصالحون. ليس ضَعفًا منك أن تُصارح باضطرابك، بل هو نداءُ القلب العطشان.. يبحث عن ربِّه، حتى وإن كان في ظُلَمة السؤال.
دعني أُطمئنك.. لم يتوقّف الله عن الرحمة، ولم يبتعد عنك؛ بل هو أقربُ إليك مما تظن، فقط أنت لا تراه الآن.. لأنّ دموع قلبك حجبت الرؤية، والمحنُ مثل المنح، كلها من الله، لا لتُهلكنا، بل لتهذبَ نفوسنا، وتُصفّي سرائرنا، ولنا في حبيب الله ﷺ أعظم الأسوة، فحين انقلبَ أهلُ الطائف عليه، وآذوه، وأدموا قدمَيه، رفع قلبَه للسماء، وقال في دعاءٍ يهزّ الكيان: (إِلَىٰ مَن تَكِلُنِي؟ إِلَىٰ بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلَىٰ عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي)، فما أعظم هذه الكلمة!! هذه ليست استسلامًا، بل تسليمًا لله، وقمةُ الثقة رغم الجراح.
أتعلم لماذا قد تقع الأمور عكس ما نُحب؟ لأنّ الله لا يُعطينا دائمًا ما نُريد، لكنه دومًا يُعطينا ما نحتاج.. ولو كرهنا ذلك. قال تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ ﴿وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾، فقد يمنع الله عنك عملًا، أو زواجًا، أو رزقًا، لتنجو به روحُك من فتنةٍ أكبر، أو لتُهذّب نفسَك، أو ليُعيد ترتيبك الداخلي.
أيها السائل الكريم:
اعلم بأن الثقة بالله لا تعني أن تستجيب السماء لأمانيك في التوّ، بل أن تثق أنّ ما يُدبّره الله لك هو الخير، ولو تأخر، ولو تألمت، ولو كنت لا تراه الآن.
وإليك بعض الوصايا العملية التي تُعيد لقلبك الطمأنينة:
1) جدّد علاقتك مع القرآن، لا لتقرأه فقط، بل لتعيش معه، تدبّرًا وبكاءً وسؤالًا. اقرأ سورة الضحى وكأنها كُتبت لك.
2) اجعل لنفسك وردًا من الاستغفار، فهو مفتاح الفرج: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾.
3) اكتب لنفسك يوميًّا ثلاث نِعَم من الله، لتُدرب قلبك على رؤية الفضل رغم الألم.
4) أكثر من قول: "اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين"؛ فإنّ النفس إذا وُكِلت إلى ذاتها ضلّت الطريق.
5) رافق الصالحين، واستمع للمواعظ الرقراقة، فإن القلوب تحيا بالصحبة الطيبة.
وأخيرًا… لا تُطفئ نور اليقين لأنّ الطريق ضاق، فربما اقترب الفرج أكثر مما تظن، وتذكّر: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [النحل: ١٢٧].. وأسأل الله تعالى أن يكتب لك التوفيق والسداد.