الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : أركان الإيمان
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
194 - رقم الاستشارة : 3061
25/10/2025
جرت عبارة على لسان أحد العوام أننا نعبد الأضرحة حتى تقربنا إلى الله، وهذا الرجل فرق بين الضريح والقبر فقال الضريح للأولياء والقبور لعوام الناس ما صحة هذا الكلام؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه الكلمات التي يحسبها الناس هينة وهي عند الله عظيمة من أخطر الكلمات على الإيمان، فإما أن يكون قائلها جاهلاً فيعذر بجهله حتى يعلّم ويفهم ثم يعاقب إن أصر على هذا الكلام، وإما أن يكون عالمًا قاصدًا فهذا من نواقض الإيمان الذي يوجب الحد بعد الاستتابة.
ولا فرق بين الضريح والقبر، إلا من حيث إن الأضرحة تعظم وتقدس عند بعض المسلمين والقبر لا يفعل به هذا، أما في الحكم الفقهي فلا فرق بينهما، ولو جاز عبادة القبور لكان أحق به النبي ﷺ وصحابته الكرم فهم أكرم الخلق عند الله تعالى.
التوسل
ونستطيع أن نفرق بين التوسل إلى الله بالعمل الصالح أو بدعاء رجل صالح، وبين الاستغاثة بصاحب القبر، فالتوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه محل خلاف بين الفقهاء، أما الاستغاثة ودعوة صاحبة القبر فهي محرمة بإجماع الفقهاء.
يقول الله تعالى: ﴿أَلاَ للهِ الدِّينُ الخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: 3].
رأي ابن تيمية
يقول ابن تيمية – رحمه الله - ولم يقل أحد: إن التوسل بنبي هو استغاثة به، بل العامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بأمور كقول أحدهم: أتوسل إليك بحق الشيخ فلان، أو بحرمته، أو أتوسل إليك باللوح والقلم، أو بالكعبة أو غير ذلك مما يقولونه في أدعيتهم، يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور، فإن المستغيث بالنبي ﷺ طالب منه وسائل له، والمتوسل به لا يدعى ولا يطلب منه ولا يسأل، وإنما يطلب به، وكل أحد يفرق بين المدعو والمدعو به.
وقوله: إنما يطلب به أي: يطلب من الله عز وجل أن يستجيب دعاءه في ذلك المطلوب، وهذا وجه مشروع، وعلى هذا فإنه لم يرد دليل من الشرع، أو أن أحدًا من أهل العلم أجاز الاستغاثة بالمخلوق، لا بنبي ولا بصالح ولا غيره، وأن هذا النوع –أي: الاستغاثة بالمخلوق- داخل في عموم الشركيات، وأنه داخل دخولاً أوليًّا في نوع من أنواع شرك المشركين الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه بقولهم في شبهتهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
فكلمة )ما نعبدهم) عامة يدرج تحتها التوسل والدعاء والتعظيم والتقديس، كما يندرج تحتها ادعاء أن هؤلاء لهم تصريف فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ وكل ذلك لأن العبادة معناها واسع، وأول العبادة هو الدعاء الذي هو محل الإشكال، ولذلك العرب الأوائل الذين تنزل عليهم القرآن فقهوا معنى هذه الآية، ولم يضيع معناها إلا بعد القرون الثلاثة الفاضلة، وذلك حينما كثرت العجمة وقل فقه الناس بالعربية، وحتى العرب ضعف فقههم العربي، وإلا فالآية صريحة في اتخاذ الوسائط والوسائل وما عليه المبتدعون في قوله عز وجل عن طائفة من المشركين بأنهم قالوا: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) [الزمر: ٣]، فجعلوا الغاية التقرب إلى الله، لكنهم أشركوا باتخاذهم هذه الوسائط، والآية صريحة، فهي تضم كل نوع من أنواع اتخاذ الوسائط أيًّا كان هذا التبرير. أ. هـ.
والله تعالى أعلى وأعلم.
روابط ذات صلة: