تربية الحمام.. بين الحكم الفقهي ومقاصد الشريعة

Consultation Image

الإستشارة 21/10/2025

ما حكم تربية الحمام ولماذا المجتمع يكره من يربي ويطير الحمام؟

الإجابة 21/10/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

الأصل في تربية الحمام هو الجواز ما دام المقصد من وراء هذه التربية مباحًا، كأن يُربّى الحمام ليباع أو يؤكل، أو يكون مشروعًا استثماريًّا يُدر ربحًا، أو يستعمل في نقل الرسائل كما كان يحدث في الماضي، وكل ذلك غايات وأهداف مشروعة.

 

وقد يُربّى الحمام للتفاخر أو الزينة، والمقامرات عن طريق المسابقات المالية المحرمة فيكون مكروهًا أو محرمًا بحسب القصد والنية من وراء تربية الحمام.

 

آراء العلماء

 

وقد فصل العلماء في هذه المسألة وفرقوا في الحكم على حسب المقصد:

 

حالات الجواز

 

أولاً: حالات الجواز: تكون تربية الحمام جائزة وحلالاً إذا كانت لغرض مباح ونافع، من ذلك:

 

1. لأجل الأكل: أن يربيها ليستفيد من لحمها أو بيضها، وهذا لا شك في جوازه، فهو كسائر الطيور والبهائم التي تُربى لهذا الغرض.

 

2. لأجل الاستئناس والزينة: أن يستمتع بمنظرها وصوتها دون أن يترتب على ذلك مفسدة، وهذا جائز أيضًا، فقد كان للسلف طيور في بيوتهم يستأنسون بها.

 

3. لأجل التجارة: أن يربيها لبيعها والانتفاع بثمنها، وهذا باب من أبواب الرزق الحلال.

 

4. لأجل نقل الرسائل (الحمام الزاجل): وهذا كان مستخدمًا في الماضي، وهو غرض نافع وجائز.

 

والدليل على أصل الجواز: الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل على التحريم. ولم يرد نص صريح يُحرّم تربية الحمام لذاتها. بل إن النبي ﷺ رأى أبا عمير، وهو طفل صغير، كان له طائر صغير يلعب به (اسمه النُّغير)، فلما مات الطائر قال له النبي ﷺ مواسيًا: "يا أبا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟" (متفق عليه).

 

وهذا دليل على إقرار تربية الطيور للعب والاستئناس إذا لم تكن هناك مفسدة.

 

حالات المنع

 

ثانيًا: حالات المنع، منها:

 

1. إذا أدت إلى إضاعة الواجبات: وهذا هو المحذور الأكبر. إذا كان الانشغال بالحمام وتطييره واللهو به يؤدي إلى تضييع الصلوات عن أوقاتها، أو إهمال حقوق الأهل والوالدين، أو التقصير في العمل والكسب، فإنها تصبح حرامًا بالإجماع. لأن الوسيلة إلى الحرام حرام، وما ألهى عن واجب فهو حرام. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (سورة المنافقون: 9)، ويدخل في هذا كل لهوٍ يصد عن ذكر الله.

2. إذا أدت إلى إيذاء الجيران: كأن يتسبب الحمام في إتلاف زرع الجيران أو إفساد ممتلكاتهم، أو إزعاجهم بالأوساخ والروائح الكريهة على أسطحهم. إيذاء الجار من كبائر الذنوب، وقد شدّد النبي ﷺ في حقه فقال: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه" (متفق عليه). فإذا كانت هذه الهواية مصدر أذى، أصبحت محرمة بسبب هذا الأذى.

 

3. إذا استُخدمت في التلصص وكشف العورات: وهذا من أقبح المقاصد وأخبثها. بعض من يطيرون الحمام يقصدون من وراء ذلك الاطلاع على بيوت الجيران والنظر إلى نسائهم وعوراتهم من الأماكن المرتفعة. وهذا حرام وهو من كبائر الذنوب، وهو خيانة للأمانة وانتهاك للحرمات.

 

4. إذا كانت مدعاة للسرقة أو الغش: بعض مربي الحمام (يُسمون "الحَمَامِيَّة") يستخدمون حمامهم لجذب حمام الغير وسرقته. وهذا أكل للمال بالباطل وهو حرام. قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ (سورة البقرة: 188).

 

5. إذا كانت بقصد المقامرة والرهان: كأن يتراهن المربون على سرعة حمامهم أو جماله، فهذا قمار محرم.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

الرابط المختصر :