Consultation Image

الإستشارة 01/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب داعية نشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتابعني عدد كبير من الناس، ويتواصل معي كثيرون، رجالًا ونساءً، طلبًا للاستشارة أو التوجيه أو الفتوى. لكن ما يثير قلقي هو رسائل بعض النساء عبر المحادثات الخاصة، حيث يطرحن أسئلة دينية أو مشكلات اجتماعية، وقد يسترسلن أحيانًا في الحديث أو يُبدين نوعًا من التعلق العاطفي بالداعية، أو الثقة المطلقة به.

أنا -بفضل الله- حريص على طهارة قلبي وصيانة دعوتي، وأدرك أن هذه الأبواب قد تكون من مداخل الفتنة، ليس لي فقط، بل حتى للنساء أنفسهن، ولذا أتساءل: ما الضوابط الشرعية للدعوة عبر المحادثات الخاصة؟ وكيف أحقق التوازن بين توجيه الناس إلى الخير وبين حفظ نفسي وديني من الفتن؟ وما البدائل الآمنة للدعوة النساء دون أن أقع في المحظور؟ أرشدوني مأجورين.

الإجابة 01/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيها الداعية المبارك، لقد أحسنت بطرح هذا السؤال، وتلك هي شيمة القلوب الورعة؛ التي لا يغرّها المديح ولا يخدعها الإقبال الجماهيري، بل تبحث عن رضا الله قبل رضا الناس، وتسأل عن السلامة قبل أن تقع في الفتنة، وهذا من علامات المخلصين.

 

والدعوة إلى الله شرفٌ عظيم، لكنها تحتاج إلى يقظة دائمة، خاصة في هذا الزمن الذي تسهل فيه الفتن وتنتشر الوسائل الحديثة التي قد تُغري أو تُوقع دون شعور، وليس أضرّ على الداعية من أن ينزلق -ولو بحسن نية- في أمور تجرّ عليه الفساد في دينه، أو الشبهات التي تنال من مكانته ودعوته.

 

ولذا اختصارًا إليك ما يلزم من ضوابط تجعلك في مأمن من الفتنة إن شاء الله تعالى، وذلك على النحو التالي:

 

1) أصل الدعوة أن تكون في العلن، لا في السر، فالأصل في الدعوة أنها علنية، كما قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، ولم يقل (بالمراسلات الخاصة)، لذلك اجعل تواصلك مع النساء -إن لزم الأمر- في أماكن عامة كالمجموعات المفتوحة، أو من خلال برامج مرئية أو صوتية يُشاهدها الناس، فهذا أحفظ لك ولهن.

 

2) لا تخلو بامرأة في المحادثات الخاصة؛ فالخلوة ليست فقط في الغرف المغلقة، بل حتى في المحادثات الخاصة، إذ قد تجرّ إلى حديث زائد أو إلى تعلّق غير مقصود، وقد قال النبي ﷺ: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ".

 

3) اختصر المحادثة ولا تسترسل: فلا تدع الحديث يطول أو يخرج عن إطار الاستشارة الضرورية، فالاختصار في الكلام يقطع الطريق على الفتن، وإن كان السؤال عامًّا، فأجِب عليه في منشور عام ليستفيد الجميع، بدلًا من الردّ عبر الخاص.

 

4) احرص على الجدية والانضباط في الأسلوب: فلا تستخدم ألفاظًا رقيقة أو عبارات قد تُشعر بميل عاطفي، بل كن رسميًّا، جادًّا، ملتزمًا بحدود الأدب دون تودّد زائد، قال الله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}، وهذا خطاب للنساء، ولكنه تحذير لكل من يخاطب الجنس الآخر.

 

5) إن استطعت، فلتكن زوجتك أو أختك أو إحدى الداعيات وسيطة: إن كان هناك حاجة لتوجيه امرأة، فليكن ذلك عبر زوجتك أو أختك أو إحدى الأخوات الداعيات، فهنّ أقدر على التفاعل مع النساء بأمان.

 

6) احذر أن تتحوّل الاستشارة إلى علاقة عاطفية مستترة، وهذا مما عمّت به البلوى في حياة بعض الدعاة -نسأل الله العافية- وبعض النساء قد يجدن في الداعية ملاذًا نفسيًّا، فيتعلّقن به عاطفيًّا دون أن يشعرن، ويبدأن بسؤاله عن مشاكله وهمومه، وربما أرسلن له كلمات إعجاب أو شكر زائد، فإن وجدت أي بوادر لمثل هذا، فأوقف التواصل فورًا، واعتذر بلطف، فهذا من أبواب الفتنة العظيمة.

 

ولأمان أكثر في دعوة النساء، إليك عدد من البدائل الآمنة للدعوة دون محادثات خاصة:

 

* إنشاء مجموعات مفتوحة للنقاش والاستفسارات الدينية، بحيث يستفيد الجميع، ولا يكون التواصل مباشرًا بينك وبين النساء.

 

* تحويل الأسئلة الخاصة إلى مواد دعوية عامة، فتُجيب عليها في منشورات مرئية أو مكتوبة دون الحاجة إلى التواصل الخاص.

 

* التنسيق مع داعيات متخصصات، بحيث تكون الاستشارات النسائية من خلالهن، وبذلك تغلق باب الفتنة تمامًا.

 

وختامًا، أيها الداعية المبارك، كن على يقين أن الشيطان لا يهدأ في محاولاته لزعزعة أهل الخير، وأنَّ كثيرًا من المخلصين قد وقعوا في أمور لم يكونوا يقصدونها، فسُدّ المنافذ، واستعن بالله، وكن حريصًا على أن تظل دعوتك نقية، بعيدة عن مواطن الشبهات، فذلك أدعى للقبول وأدوم للأثر، وأسأل الله أن يحفظنا وإياك بحفظه من الشبهات والشهوات الفانية.

الرابط المختصر :