الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
47 - رقم الاستشارة : 2849
01/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحاول الدعوة إلى الله بين أصدقائي وزملائي في العمل، وأحرص على تقديم الخير والنصيحة بالرفق واللين. لكني أواجه أحيانًا رفضًا صريحًا أو تجاهلًا من البعض، أو حتى اعتراضًا حادًا على ما أقدمه من نصائح أو برامج دعوية. هذا الرفض يجعلني أشعر بالضعف النفسي، ويقلل من ثقتي بنفسي، وأحيانًا يحبط همتي ويجعلني أتراجع عن التواصل مع بعض الأشخاص. فكيف يمكن أن يتجاوز الداعية هذه المرحلة النفسية، ويستمر في الدعوة بثبات وصبر؟ وهل هناك نصوص شرعية تشجع الداعية في مثل هذه المواقف؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بك أخي المبارك الذي صدق همّه، وأسأل الله أن يثبتك على الصراط المستقيم، ويزيدك هداية ووفاقًا لما فيه الخير لنفسك ولمن حولك. لقد طرحت مسألة عميقة تمس كل الدعاة، وهي التحديات النفسية الناتجة عن الرفض أو المعاكسات في ميادين الدعوة، وهذا أمر طبيعي وحقيقة عاشها الأنبياء والرسل، وهو اختبار للإخلاص والثبات على وجه الحقيقة، لذا إليك هذا البيان:
طبيعة الرفض في الدعوة وأثره النفسي
الرفض أو اللامبالاة جزء من سنة الله في اختبار الداعية. فالرسول ﷺ عندما دعا قومه إلى الإسلام، واجهوا التهجم والسخرية والرفض، قال الله عنه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]، ومع ذلك قابَل البشر بما فيه خيرهم وشرهم، ولم يثنه رفض أحد عن القيام بالواجب.
وقد ذكر الله عز وجل أن بعض الناس لن يستجيبوا مهما بذل الداعية من جهد؛ فالرسالة هي البلاغ والإخلاص، والنتائج بيد الله، فلا تحزن على من رفض أو جحد، فهذا جزء من الواقع الذي عليه أن يتحلى الداعية بالصبر والحكمة.
هدي النبي ﷺ في مواجهة الرفض
النبي ﷺ لم يحبط أبدًا من رفض قومه، بل صبر واستمر باللين والحكمة. قال تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي أن على الداعية أن يبلغ ما أمره الله به، وأن يتجاوز عن التجاهل والرفض دون أن ينكسر قلبه. فما من عبد يُسلم إلا سيكون له من الخير ما لا يعلمه؛ فكل كلمة تقولها، وكل نصيحة تقدمها، تُسجّل عند الله أجرًا حتى لو لم تُقبل من الآخر.
تأثير الرفض على النفس وسبل التثبيت
الرفض يثير أحيانًا إحباطًا داخليًا، لكنه فرصة للنمو الروحي والذهني. في هذه المرحلة، على الداعية أن يعالج نفسه بالثلاثة:
1) تذكّر أن الله يراك ويعلم سرّك.
2) راجع نيتك وأعمالك وقلّبها نحو الإخلاص.
3) استعن بالصحبة الصالحة التي تشجعك، وتدفعك نحو الاستمرارية.
وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا﴾ وهذا الصبر الجميل هو الذي يجعل الداعية يثبّت قلبه، ويجعل التجاهل أو الاعتراض مجرد وسوسة عابرة لا تؤثر في مسيرته.
النصائح الدعوية العلمية للتعامل مع الرفض
أخي الكريم، إذا واجهت رفضًا أو اعتراضًا، فالأولى ألا تأخذ موقفًا دفاعيًّا أو عدائيًّا، بل تعامل مع الموقف بروح علمية دعوية:
احرص على اللين في الحديث، والابتسامة، وحسن الإصغاء، فالقبول يبدأ من القلوب قبل الأقوال. واطلب من الله التوفيق والقبول، واعلم أن كل دعوة صادقة مهما قلَّ تأثيرها الظاهر فإن لها أثرًا خفيًا عند الله قد لا تراه عيناك الآن، وقد يكون سببًا لهداية لاحقة لأشخاص آخرين.
واحرص على أن يكون عملك الدعوي متدرجًا، فلا تثقل على نفسك بكم هائل من البرامج أو المبادرات، بل اجعلها مستمرة ومنتظمة، لأن الدوام على القليل خير من الانقطاع عن الكثرة. واجعل القرآن رفيقك، والذكر مواصلًا قلبك بالله، فهذا أعظم ما يجدد النشاط الروحي ويقوي النفس أمام التجاهل أو السخرية.
وأخيرًا: -أخي المبارك- إنّ الرفض في الدعوة ليس نهاية الطريق، بل هو امتحان لصبرك وإخلاصك، وفرصة لتقويم أسلوبك وتجديد نيتك. فاصبر واثبت، واطلب العون من الله دائمًا، وكن على يقين أن كل كلمة خير، وكل نصيحة ولو لم تُقبل، مكتوبة عند الله لك أجرها وثمارها.
وأسأل الله أن يثبت قلبك على الدعوة، وأن يرزقك الصبر والثبات، وأن يكتب لك الأجر المضاعف، وأن يجعل كل كلمة تقولها سبب هداية لك ولمن حولك، وأن يبعد عنك الضعف والفتور، وييسر لك الخير حيث كنت، إنه سميع مجيب الدعاء.
روابط ذات صلة:
كيف يتعامل الدعاة مع السخرية والاستهزاء؟
ضيق الصدر من قلة التفاعل الدعوي
الثبات في طريق الدعوة رغم قلة المستجيبين