الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : المراهقون
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
57 - رقم الاستشارة : 3037
22/10/2025
أنا أم لبنت عندها ١٥ سنة، وبصراحة بقيت مش عارفة أتعامل معاها. بنتي بقت دايمًا عندها غيرة من صحباتها، خصوصًا لو في واحدة أجمل منها أو لبست حاجة جديدة أو عندها حاجة مختلفة، تلاقيها فورًا عايزة تقلدها وتعمل زيها بالضبط، سواء في اللبس أو طريقة الكلام أو حتى التصرفات.
بقيت أحس إنها مش راضية عن نفسها، دايمًا بتقارن شكلها بغيرها، ولو حاولت أكلّمها تهدى أو تفهم إن كل واحدة ليها شخصيتها وذوقها، بتتعصب أو ترد بطريقة دفاعية. بقت علاقتنا فيها شدّ ونقاش كتير بسبب النقطة دي، وأنا خايفة إن الغيرة والمقارنة دي تأثر على ثقتها بنفسها وعلى شخصيتها قدام الناس.
مش عارفة أتعامل إزاي معاها، هل أسيبها تتصرف وتتعلم بطريقتها؟ ولا لازم أكون حازمة؟ وإزاي أعلّمها تكون راضية عن نفسها وتحب ذاتها من غير ما تحس إني بفرض رأيي أو بمنعها عن حاجة؟
عزيزتي الأم،
لقد أحسنتِ في ملاحظتكِ لمشاعر ابنتك وسلوكها، فالكثير من الأمهات يمررن بهذه المرحلة مع بناتهن، لكن القلّة فقط من ينتبهن لعمق المشكلة، كما فعلتِ أنتِ.
اضطراب في تقدير الذات
فغيرتها ليست مجرد تصرف عابر أو ميل للتقليد، بل هي انعكاس لحالة نفسية يصفها علم النفس بأنها "اضطراب في تقدير الذات" (Low Self-esteem)، وهي حالة يبالغ فيها المراهق في مقارنة نفسه بالآخرين، رغبةً في القبول والانتماء.
مرحلة المراهقة الوسطى
أولاً: من الناحية النفسية التربوية:
ابنتك في سن الخامسة عشرة تمر بمرحلة المراهقة الوسطى، وهي مرحلة حساسة يسعى فيها المراهق إلى بناء هويته الشخصية، ويتأرجح بين الرغبة في الاستقلال والحاجة إلى القبول الاجتماعي.
لذا نجدها تميل إلى تقليد صديقاتها ومجاراة من حولها، ظنًّا منها أن التشابه يحقق القَبول، بينما في الحقيقة يضعف هذا التشابه إحساسها بالذات، ويجعلها تابعة لا قائدة.
من المهم أن تتذكّري أن الغيرة في هذا العمر ليست عيبًا في حد ذاتها، بل هي شعور طبيعي إذا تم توجيهه نحو التنافس الإيجابي (Positive Rivalry)، لكن إن تُرك بلا ضبط تربوي ولا دعم نفسي، قد يتحول إلى حقد أو حسد أو شعور دائم بالنقص.
الجانب الأسري العملي
ثانيًا: من الجانب الأسري العملي:
- احرصي على أن تكوني مرآتها الإيجابية، أي تحدثي معها بلغة تُظهر نقاط قوتها لا نقاط ضعفها، فالكلمة في هذا العمر تبني أو تهدم.
- امدحيها أمام نفسها وأمام الآخرين في الجوانب غير الشكلية: كذكائها، أسلوبها، اجتهادها، لباقتها؛ لأن المراهقة التي لا تُقدَّر إلا لجمالها، ستتعلّق بالمظاهر وتُصاب بهشاشة داخلية.
- ومن الضرورى جدًّا أن تتجنّبي المقارنة المباشرة، فهي تُضعف الهوية الذاتية وتؤدي إلى ما يُعرف بـ "الاحتقار الداخلي ورفض للذات" (Self-rejection).
- كما يمكنكِ أن تشاركيها في اختيار ملابسها أو ذوقها الخاص، حتى تتعلم كيف تختار بنفسها لا بمجرد التقليد.
- اجعليها تشارك في أنشطة تُبرز قدراتها مثل الرسم، القراءة، العمل التطوعي أو أي هواية تُنمي ذاتها؛ فالهوايات تخلق توازنًا نفسيًّا وتشبع حاجة الانتماء بطريقة سوية.
- اغرسي فيها مفهوم أن الجمال الحقيقي ليس في المظهر وإنما في الروح والعمل الصالح. قال رسول الله ﷺ: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، فهنا يتضح أن القيمة ليست فيما نملك من شكل أو مظهر، بل فيما نحمل من خلق وإيمان.
ذكّريها أيضًا بقول الله تعالى: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم﴾، وهذه الآية تؤكد أن الله كرّم الإنسان بإنسانيته، لا بلباسه ولا بمظهره، وأن كل إنسان له بصمته الخاصة وجماله المختلف.
الجانب العاطفي والنفسي الأسري
وبالنسبة للجانب العاطفي والنفسي الأسري:
- حاولي التقرب منها كصديقة، لا كناصحة فقط.
- استخدمي أسلوب "الحوار الهادئ المفتوح" الذي يقوم على الإصغاء دون حُكم؛ لأن المراهق حين يشعر أن رأيه يُحترم، يصبح أكثر استعدادًا لتقبّل التوجيه.
- وكونى حريصة على استخدام العبارات الإيجابية التي تُحفّز الوعي الذاتي، مثل: "أنا واثقة إنك تقدري تختاري اللي يناسبك"، "جمالك في طريقتك الخاصة مش في تقليد غيرك".
- كما يُستحب أن تدربيها على الامتنان، من خلال كتابة ما تحبه في نفسها يوميًّا، فذلك يعزز الرضا الداخلي ويقلل المقارنة.
وهمسة أخيرة:
تذكّري يا عزيزتي أن المراهقة تحتاج حضنًا قبل التوجيه، وحبًّا قبل النصيحة، وصبرًا قبل التغيير.
دوركِ الآن هو أن تزرعي في ابنتك بذور الرضا الذاتي، وأن تُشعريها بأنها جميلة كما هي، وأن جمالها لا يحتاج مقارنة.
اجعلي ابنتكِ تتعلّم أن جمالها في تفرّدها، وأن رضاها عن نفسها هو أجمل ما يمكن أن ترتديه.
روابط ذات صلة: