الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
88 - رقم الاستشارة : 1701
21/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله، أنا قرأت على موقعكم الرائع استشارة بعنوان: «كيف أتعامل مع أسئلة طفلتي عن الله؟»، واستفدت جدًّا من الرد، لأني عندي طفل تقريبًا في نفس سن بنت صاحبة السؤال، وبيسألني كتير عن ربنا، وعن الموت، وعن الصلاة، والخلق، وحاجات تانية كتير، ومش دايمًا باعرف أرد عليه الرد اللي يطمنه ويقنعه.
من ضمن الأسئلة اللي دايمًا بيسألها لي:
هو ربنا فين؟ هو ساكن في مكان زيّنا؟ هو لربنا بيت زي بيوتنا؟
ليه ما بنشوفهوش؟ مش ممكن نشوفه لو طلعنا فوق؟
هو بيسمعني لما أتكلم مع نفسي؟
وفي الحاجات اللي ليها علاقة بالخلق والوجود، ساعات بيسأل:
طب مين خلق ربنا؟ هو خلقنا ليه؟ هو ممكن يزعل مننا؟ وإمتى؟
أما عن الصلاة والدعاء، فبيسأل:
ليه بنصلي؟ هو ربنا بيسمعني لما أدعي له؟ وبيستجيب؟
ولما بيشوف مريض، أو يسمع عن حد مات، ساعات بيقولي:
يعني إيه موت؟ وبنروح فين بعده؟ هنشوف الناس اللي بنحبهم في الجنة؟ ليه الناس بتحزن أو تمرض؟ هو ربنا اللي بيعمل كده؟
أنا محتاجة مساعدتكم في إنكم تدُّوني نماذج لإجابات بسيطة وواضحة للأسئلة دي، تكون مناسبة لسن الطفل. مع الشكر.
مرحبًا بكِ أيتها الأم الفاضلة، ونشكرك على تواصلك الكريم، وعلى ثقتك الغالية التي نعتز بها كثيرًا، ونسأل الله -تعالى- أن يبارك لك في ابنك، ويجعله من عباده الصالحين المقرَّبين، وأن يجعلك من الموفقات إلى التربية الإيمانية الرشيدة، وأن يشرح صدرك وييسر لكِ الخير كله، وبعد...
فمن أعظم أبواب البرِّ، وأثقل ما تضع الأم في ميزان حسناتها: أن تقود صغيرها إلى الله، حبًّا وتعظيمًا ويقينًا.
وها أنذا أحاول أن أقدم لكِ نماذج للإجابات التي يمكن أن تجيبي بها عن أسئلة طفلك، بلغة مبسطة. ويمكنك أن تفهميها، ثم تشرحيها بأسلوبك لطفلك، لتُحبِّب الله إلى قلبه، وتُشعره بالقرب منه دون حيرة أو اضطراب.
أين الله؟ وهل يسكن في مكان مثلنا؟
يا بُنيَّ، الله تعالى موجود دائمًا، وهو أعظم وأجلُّ من أن يشبهه أحد أو شيء.
الله سبحانه فوق السماوات كلها، مستوٍ على عرشه العظيم، بقدرته وعلمه، يسمع ويرى كل ما يكون في الأرض والسماء، ويعلم ما في القلوب. قال الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]. ولكنه لا يحتاج إلى مكان مثلنا، ولا يسكن كما نسكن نحن؛ لأننا نحن من نحتاج الأماكن لنعيش فيها، أما الله فغنيٌّ عن كل شيء.
لماذا لا نراه؟ ألن نراه إذا صعدنا إلى الأعلى؟
لا يا صغيري، نحن في هذه الدنيا لا نستطيع رؤية الله؛ لأن أعيننا ضعيفة، ونور الله عظيم لا تتحمّله الأبصار. ولكن في الجنة، إذا أكرمنا الله ورضي عنا، فسوف نراه بأعيننا، وتلك ستكون أسعد لحظة نعيشها.
وقد قال النبي ﷺ: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تُضامون في رؤيته» [متفق عليه]. أي أننا سنراه رؤية واضحة جميلة، مثلما نرى القمر ليلة البدر.
هل يسمعني الله إذا تكلمت مع نفسي؟
نعم، الله يسمعك دائمًا، حتى لو لم تُحرِّك لسانك، وكان كلامك في قلبك فقط.
فالله سبحانه يعلم ما في صدور الناس، ويعرف كل ما نفكر فيه، قبل أن نتكلم به.
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [ق: 16]. فلا تتردد أبدًا في الحديث مع الله، فهو قريبٌ يسمعك ويحبك ويهتمّ بك.
من خلق الله؟
كل الأشياء التي نراها خُلِقَت، مثل الإنسان، والحيوانات، والشجر، والنجوم... ولكن الله تعالى لم يُخلَق؛ لأنه هو الذي خَلَق كل شيء. الله هو الأول، ليس قبله شيء.
قال النبي ﷺ: «كان الله ولم يكن شيءٌ غيره» [صحيح البخاري]. فلا يوجد أحد خلق الله، لأنه لو كان مخلوقًا، لَمَا كان إلهًا.
لماذا خلقنا الله؟
خلقنا الله تعالى لأنه يحبنا، وأراد أن يكرمنا، ويمنحنا الحياة، ويُعلِّمنا الخير، ويرشدنا إلى طريق الجنة. خلقنا لنعبده ونشكره ونعيش بالحب والخير، ونجعل حياتنا مليئة بالطاعة والرضا.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]. أي لنعبده محبةً وامتثالًا، لا قهرًا ولا إكراهًا، لأنه سبحانه لا يحتاج إلينا، ولكن نحن من نحتاج إليه.
هل الله يغضب منا؟ ومتى؟
نعم يا حبيبي، الله قد يغضب، ولكنه سبحانه رحيم جدًّا، لا يغضب بسرعة، وإن غضب، فإنه يغفر إذا طلبنا منه المغفرة. الله يغضب إذا كذبنا، أو ظلمنا، أو تركنا الصلاة، أو فعلنا أشياء تؤذي الناس أو تُغضبه؛ لكنه يفرح جدًّا إذا اعتذرنا، وتبنا.
قال النبي ﷺ: «لله أشدّ فرحًا بتوبة عبده إذا تاب، من أحدكم سقط على بعيره وقد أضلّه في أرض فلاة» [متفق عليه]. أي أن الله يفرح كثيرًا عندما نعود إليه بعد الخطأ.
لماذا نصلِّي؟
نحن نصلِّي لأن الصلاة تجعلنا قريبين من الله، وتُعلِّمنا الشكر، وتُريح قلوبنا، وتُساعدنا على أن نكون طيبين. الصلاة هي كلامنا مع الله، وفيها نحمده، ونسأله، ونستغفره، ونشعر بأنه يسمعنا ويحبنا.
وكان النبي ﷺ يقول لمؤذنه بلال: «أرحنا بها يا بلال» [رواه أبو داود]. أي أن الصلاة كانت راحة لقلبه، وسكينة لروحه.
هل الله يسمع دعائي؟ وهل يستجيب لي؟
نعم، الله يسمع كل دعاء، حتى لو كان سرًّا، ويستجيب لنا دائمًا، ولكن بطريقته التي فيها الخير لنا. قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
وقد يستجيب الله فورًا، أو يؤجِّل الإجابة لوقت أفضل للداعي، أو يدفع به شرًّا عنه كان سيقع، وكل ذلك من رحمته وعلمه.
ما معنى الموت؟ وأين نذهب بعده؟
الموت هو أن تغادر الروح جسد الإنسان، فينام الجسد، وتذهب الروح إلى الله.
لكن الموت ليس نهاية، بل هو انتقال إلى حياةٍ جديدة، في عالمٍ آخر اسمه «الآخرة».
الذين يؤمنون بالله، ويعملون الخير، تذهب أرواحهم إلى مكان جميل ومريح، حتى يدخلهم الله الجنة. فالموت باب، ندخل منه إلى لقاء الله، والجنة، والنعيم.
هل سنرى من نحبهم في الجنة؟
نعم، إذا أحببنا الله وأطعناه، واجتهدنا في الصلاة والخلق الحسن، فإن الله تعالى يُكرمنا بأن نكون مع من نحب في الجنة.
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الطور: 21].
ففي الجنة، لا يحزن أحد، بل يُجمع الأحباب من جديد، وتكون الحياة هناك أجمل وأطيب.
لماذا يمرض الله الناس ويحزنهم؟
الله هو الذي يُقدِّر المرض، لكنه لا يفعله ليؤذي الناس، بل ليُطهِّرهم، ويُقرِّبهم منه، ويُعلِّمهم الصبر.
المرض جزء من الحياة، والله يجازي عليه الأجر والثواب، ويمحو به السيئات. قال النبي ﷺ: «ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ» [متفق عليه]. فالله إذا أحب عبدًا، ابتلاه، ثم رفعه درجات، وأكرمه في الدنيا والآخرة.
وختامًا أيتها الأم الفاضلة، ما أعظم ما تفعلينه حين تجيبين على هذه الأسئلة الصغيرة بعين القلب وروح الإيمان. فكل كلمة تقولينها الآن تُبنى بها لبناتُ العقيدة في قلب صغيرك. لذا، امضي على بركة الله، واستعيني به، وكوني قريبةً دومًا من قلب ولدك، وأجيبيه بصبرٍ وابتسامة، وكرِّري له أن الله يحبّه، ويراه، ويسمعه، ويريده أن يكون عبدًا سعيدًا في الدنيا، وفائزًا في الآخرة.
نسأل الله أن يقرَّ عينيك بولدك في الدنيا، ويجعله جُنةً لكِ في الآخرة. اللهم آمين.