Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 78
  • رقم الاستشارة : 1354
17/03/2025

أرغب بشدة في الاعتكاف خلال العشر الأواخر من رمضان، لكن ظروفي العائلية ومسؤولياتي المهنية تمنعني من التفرغ الكامل والمكوث في المسجد.

كيف يمكنني استحضار روح الاعتكاف والاستفادة من أجوائه الروحانية رغم بقائي في المنزل أو انشغالي بالعمل؟

وهل هناك بدائل عملية تحقق لي جزءًا من ثمراته، مثل العزلة المؤقتة، أو تخصيص أوقات معينة للعبادة والتأمل؟

الإجابة 17/03/2025

مرحبًا بك أيها السائل الكريم، وأسأل الله أن يرزقك صدق النية، وأن يبلغك وإيانا رمضان عامًا بعد عام، ويعيننا على اغتنام أوقاته المباركة، وأن يكتب لنا الأجر كاملاً غير منقوص، فإن الله كريمٌ لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وبعد...

 

فإن شوقك للاعتكاف ورغبتك في التفرغ للعبادة في العشر الأواخر هو شعورٌ نبيل ينبع من قلبٍ حيٍّ يتوق إلى القرب من الله، وهو علامة خيرٍ ودليل على حرصك على مرضاته.

 

ولكن، كما تعلم، فإن الإسلام دين يراعي ظروف العباد، ولم يجعل العبادة مشقةً غير محتملة، بل فتح أبواب الطاعات بطرقٍ متعددة تناسب أحوال الناس المختلفة. فما دمتَ لا تستطيع الاعتكاف الكامل في المسجد، فاعلم أن روح الاعتكاف ليست محصورةً في المكوث داخل المسجد فقط، بل يمكن تحقيقها -ولو جزئيًّا- بوسائل أخرى، لتحصيل بركات هذه الأيام العظيمة.

 

كيف أشعر بروح الاعتكاف وأجوائه في المنزل والعمل؟

 

1- استحضار النية وتوجيه القلب لله

 

النية الصادقة تجعل العمل القليل عظيمًا، ولهذا قال النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [متفق عليه]. فإن عزمت على الاعتكاف ولم تستطع لظروفك، وأخلصت النية لله، كتب لك أجره إن شاء الله. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27]. فاجعل نيتك أنك تعتكف بروحك وقلبك، ولو لم تستطع بجسدك.

 

2- تخصيص وقت يومي للانعزال عن الدنيا والانشغال بالله

 

يمكنك تخصيص وقتٍ يومي خلال العشر الأواخر للخلوة مع الله، ولو كان نصف ساعة في الليل أو الفجر، تخلو فيها بنفسك للذكر، والتدبر، والاستغفار، والقيام. فهذا نوع من الاعتكاف القلبي والذهني، وقد قال النبي ﷺ: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» [رواه مسلم].

 

3- الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار

 

الاعتكاف في جوهره انقطاع عن مشاغل الدنيا والاشتغال بالله، ويمكنك تحقيق ذلك بالإكثار من ذكر الله في كل وقت، حتى وأنت في عملك. قال تعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]. فاجعل لسانك رطبًا بذكر الله، واستثمر لحظات الفراغ في العمل أو البيت بالتسبيح والتهليل، فهو زاد القلوب.

 

4- قيام الليل والتعرض لنفحات السَّحر

 

ليكن لك حظٌّ من قيام الليل، ولو بركعتين خاشعتين قبل الفجر، أو قبل النوم. فرمضان موسمُ القائمين، وقد قال النبي ﷺ: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه]. ويمكنك كذلك أن تستيقظ قبل الفجر وتناجي ربك في الأسحار، فإنها ساعاتٌ تتنزل فيها رحمات الله، وقال تعالى: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 18].

 

5- الاجتهاد في تلاوة القرآن وتدبره

 

الاعتكاف فرصة عظيمة للانشغال بالقرآن، وإذا لم تستطع المكوث في المسجد، فاجعل لك وردًا يوميًّا لا تتركه، ولو صفحة واحدة تقرؤها بتدبر. قال رسول الله ﷺ: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» [رواه مسلم].

 

6- الصدقة والإحسان للناس

 

لا تنسَ أن من أعمال العشر الأواخر تفريج كروب الناس، فقد كان النبي ﷺ «أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان» [رواه البخاري]. فأيّ معروفٍ تبذله للآخرين، سواءً بالكلمة الطيبة، أو بتقديم المساعدة، فهو صدقة ترفع درجتك عند الله.

 

7- إحياء ليلة القدر ولو بعملٍ يسير

 

ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، وقد قال النبي ﷺ: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [البخاري]. فإذا كنت مشغولًا في العمل أو البيت، فاحرص على التعرض لها، ولو بذكر الله، أو بدعاءٍ خاشع، فقد قال ﷺ لعائشة -رضي الله عنها- عندما سألته: ماذا تقول إذا أدركت ليلة القدر؟ فقال: «قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني» [رواه الترمذي].

 

بدائل عملية تحقق لك روح الاعتكاف

 

* تخصيص ركنٍ في البيت للعبادة: اجعل لك زاويةً في المنزل تكون بمثابة «محراب» لك، تتعبد فيها بعيدًا عن الملهيات.

 

* تحديد ساعات معينة للعزلة الروحية: مثلًا، اجعل ساعة قبل الفجر أو بعد العشاء خالية من أي انشغال دنيوي.

 

* إغلاق الهاتف والتفرغ لله: اعتبر أن وقت عبادتك هو وقت مقدس، تمامًا كما لو كنت معتكفًا في المسجد.

 

* الالتزام بأذكار الصباح والمساء: فهي تحيطك برعاية الله طوال اليوم.

 

* استثمار الأوقات البينية في العمل بالذكر والاستغفار: حتى تكون في عبادةٍ دائمة، كما قال النبي ﷺ: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» [رواه الترمذي].

 

وختامًا -أخي الكريم- إن الله يعلم صدق نيتك، فإذا لم تستطع الاعتكاف في المسجد، فإن أبواب الخير واسعة، وأنت تستطيع أن تصنع في بيتك أو عملك أجواء الاعتكاف ولو بجزءٍ يسير، المهم أن يكون قلبك معلقًا بالله، وأن تعيش هذه الأيام بعزيمةٍ صادقة، وهمةٍ عالية، وتذكر قول النبي ﷺ: «إن الله لا يمل حتى تملوا» [رواه البخاري]. فلا تيأس من القليل، فإن القليل مع الإخلاص كثير عند الله.

 

نسأل الله أن يرزقك القبول، وأن يكتب لك أجر المعتكفين، وأن يبلغك ليلة القدر وأنت في أحسن حال.

الرابط المختصر :