الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
57 - رقم الاستشارة : 1170
01/03/2025
أنا رجل كثير السفر، أتنقل بين البلدان المختلفة، سواء داخل وطني أو خارجه، وأحيانًا في بلاد غير إسلامية. أريد أن أتعلم كيف يكون سلوكي كمسلم في ترحالي، وما هي الأخلاق التي ينبغي أن أتحلى بها، وكيف أمثل الإسلام بصورة صحيحة في المجتمعات المختلفة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلقد جعل الله السفر بابًا لاختبار أخلاق الإنسان، إذ تظهر فيه معادن الرجال وتتجلى مكارم الأخلاق. والمسلم في ترحاله سفير لدينه، يحمل رايته بأفعاله قبل أقواله. ولذا فإن التمسك بأخلاق الإسلام في السفر من أعظم ما يُعين على تحقيق المقاصد الشرعية، سواء أكان السفر لطلب العلم، أم للتجارة، أم للسياحة، أم لغير ذلك.
ولذا فإليك أخي السائل الكريم ما أسميها بأسس السفر في الإسلام ورسالته، وبيانها تفصيلاً على النحو التالي:
أولًا: السفر عبادة شريفة بشرف النية والمقصد:
- فالسفر في الإسلام ليس مجرد انتقال جسدي، بل هو فرصة لمحاسبة النفس، والتقرب إلى الله، وتذكر حقيقة الدنيا.
- إذ "السفر قطعة من العذاب"؛ فالمسافر يتعرض لصعوبات واختبارات، وعليه أن يثبت في المواقف الصعبة.
ثانيًا: آداب المسافر كما وردت في القرآن والسنة
- تحقيق التوكل والاستعانة بالله: من أهم ما يبدأ به المسافر رحلته هو التوكل على الله، وقراءة أدعية السفر الواردة عن النبي ﷺ، مثل: "اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى…"، ويستحب أن يقول المسافر عند الركوب: "سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين".
- اختيار الصحبة الصالحة والتزام آداب الرفقة؛ فالصاحب ساحب، والصاحب الصالح هو نعم البيئة المعينة على الطاعة والعبادة، وقد أوصى النبي ﷺ بتنصيب أمير في السفر حتى تسير الأمور بنظام.
- حسن التعامل مع الناس والرفق بهم: فالمسلم مأمور بحسن الخلق في كل أحواله، والسفر يزيد الحاجة إلى ذلك. وقد ثبت: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا"، واعلم أخي السائل الكريم بأن في الغربة، حسن المعاملة وسيلة دعوية عظيمة، فالناس يتأثرون بالأخلاق أكثر من الكلام.
- التحلي بالصبر وعدم التذمر: السفر يعرض الإنسان للمشاق، ومن كمال الإيمان الصبر على ذلك. قال النبي ﷺ: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير...".
- المحافظة على الفرائض وأداء العبادات، فلا يصح ولا يجوز أن يكون السفر ذريعة للتهاون في الصلاة أو العبادات، بل إن فيه رخصًا وتيسيرات كالجمع والقصر، والالتزام بالصلاة في وقتها في المطارات والفنادق يرسّخ صورة المسلم المحافظ على دينه.
ثالثًا: المسافر في بلاد غير إسلامية
- الظهور بمظهر المسلم المحترم: حيث ينبغي أن يعكس مظهره نظافته ووقاره، متجنبًا التشبه بالمظاهر غير اللائقة.
- لا مانع من الاندماج في المجتمع بقدر لا يتعارض مع الدين، كالتعامل الحسن مع الجيران وزملاء العمل.
- الحرص على الأمانة والصدق: فالمسلم سفير لدينه، فليحرص على تجنب الغش، وأكل المال الحرام، والتحايل على القوانين، وقد قال النبي ﷺ: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" (البخاري ومسلم).
- الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة: ليس بالضرورة أن يكون المسافر داعية بالخطابة، بل يكفيه أن يكون قدوة حسنة بأفعاله، قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، فالكلمة الطيبة قد تكون سببًا في هداية الآخرين.
- الحرص على تجنب الفتن والمحرمات: فالسفر قد يكون محفوفًا بالمغريات؛ لذا يلزم المسافر ضبط نفسه، وتجنب الأماكن المشبوهة، والحفاظ على الحياء والعفة.
- التعامل مع غير المسلمين بالحسنى دون مداهنة في الدين: فالإسلام يأمر بحسن المعاملة دون التنازل عن المبادئ. قال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]. ويمكن للمسلم احترام ثقافات الآخرين دون أن يذوب فيها.
رابعًا: نماذج من سلوك السلف في السفر
- عبدالله بن المبارك كان يسافر للتجارة لكنه كان يحرص على إفادة الناس، فكان يوزع الصدقات على الفقراء في رحلاته.
- الإمام الشافعي كان يقول:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا ** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد…
مشيرًا إلى فوائد السفر والتي منها: التعلم والخبرة وتوسيع المدارك.
- وعلينا ألا ننسى الصحابة والتجار المسلمين الذين نشروا الإسلام بأخلاقهم في بلاد شرق آسيا وأفريقيا، فأسلمت شعوب بأكملها بسبب صدقهم وأمانتهم.
وأخيرًا..
فإن السفر فرصة عظيمة للارتقاء بالأخلاق، وهو اختبار حقيقي لمدى التزام المسلم بدينه في كل حالاته. فليكن المسافر داعية بأخلاقه، مستعينًا بالله، متحصنًا بالتقوى، وليرسّخ صورة مشرقة عن الإسلام أينما حلّ وارتحل.
ونسأل الله أن يوفقك لكل خير، ويجعل سفرك بركة ونورًا، ويوفقك لتمثيل الإسلام خير تمثيل.