كيف تؤثر أفكارنا في صناعة التفاؤل؟

<p>التفاؤل هل متاح في هذه الظروف أم مرتبط بالعوامل النفسية؟ وكيف تؤثر عقولنا على صنع التفاؤل؟</p>

أخي الكريم، التفاؤل المعتدل الواعي من الأشياء الإيجابية في الحياة التي تنتجها عقولنا وتساهم في تجويد وتحسين مساراتنا في الحياة، وتعمل على الحفاظ على رفاهيتنا النفسية وصحتنا العقلية والبدنية.

 

التفاؤل قد يكون سمة للعديد من الشخصيات، فتراه دومًا مبتسمًا، ينظر إلى الضوء في أحلك لحظات الظلام، وقد يكون التفاؤل نتيجة ثقتنا في قدراتنا ومن نملك من مواهب أو ثروات أو علاقات أو قوى تدعمنا، لكن القليل منا من ينظر إلى التفاؤل أنه نتاج لعقولنا وتصوراتنا، وأن هناك عقولاً ونفوسًا ترفض العجز، وترفض أن تسند الأذقان على راحات الأيدي منتظرة ماذا سيسفر عن الأحداث دون أن تتدخل في صياغة وصناعة الحدث نفسه.

 

أفكارنا والتفاؤل

 

التفاؤل هو توقع شيء إيجابي في المستقبل، وقد يكون الشخص متفائلاً في جوانب، وغير متفائل في جوانب أخرى، لكن يظل التفاؤل الشامل هو صفة إيجابية في أغلب حالاته، باستثناء التفاؤل المفرط غير الواعي الذي يقود الشخص إلى توقعات شديدة الإيجابية دون أن يساندها شيء من الواقع يعضده.

 

التفاؤل حتى يكون نافعًا يجب أن يستند إلى واقع يعضد ذلك التوقع، وهذا لا يكون إلا بناء على حضور العقل في قراءة ذلك الواقع ومعرفة الإمكانات والقدرات المتوفرة.

 

التفاؤل يرتبط بأنماط إدراكية ومعرفية، أي أن التصورات العقلية تساهم بنسب كبيرة في بناء التفاؤل أو التشاؤم؛ فالإنسان المتفائل ينظر إلى الإيجابية ويغفل الجانب السلبي، والمثال الشهير على ذلك هو الكوب الممتلئ لنصفه بالماء؛ فالمتفائل ينظر إلى الجزء الممتلئ، أما المتشائم فينظر إلى النصف الفارغ، ولذلك أكدت الدراسات أن المتفائل مرتبط بتحيز انتباهي أكبر نحو المحفزات الإيجابية مقارنة بالإنسان المتشائم.

 

ومعنى هذا أن العقل يصدر أوامر للحواس بالتحيز الانتباهي نحو مشاهد معينة وإغفال مشاهد أخرى، ويستفاد من ذلك أن تعديل الأفكار يساهم في أن يتحيز العقل ثم الحواس نحو إدراك معين، ويتجنب إدراكات أخرى، فالتحفيز الدماغي يؤدي إلى نشاط فسيويولوجي.

 

التفاؤل يعني الحياة

 

الدرسات ترشدنا إلى أن هناك الكثير من الأفراد قادرون على التحكم في جوانب مهمة في حياتهم بصورة شبه حاسمة، ومن ثم فعقولنا هي صانع مهم للتفاؤل أو التشاؤم بجانب الظروف المحيطة، ويجب ألا نقلل من دور عقولنا وأفكارنا في هذا الشأن، وكما يقولون: "أكبر جدار يجب أن تتسلقه هو الجدار الذي تبنيه في عقلك".

 

والحقيقة أن تجربة للفئران أثبتت أن التمسك بالتفاؤل هو تمسك بالحياة، وأن الفئران التي استطاعت أن تجتاز جدار الوعي في داخلها تمسكًا بالحياة، استطاعت أن تتمسك بالحياة وقتًا أطول.

 

في تجربة في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي قام بها البروفيسور "كيرت ريختر" حول الوقت الذي تقضيه الفئران على قيد الحياة في بركة من المياه قبل أن تستسلم للموت.

 

وجد "ريختر" أن الفئران البرية تستسلم للغرق بعد (15) دقيقية، لكن "رختر" أعاد التجربة بشكل مختلف، فوضع الفئران في الماء، وقبل أن تستسلم للغرق، أخذها الباحثون وجففوها، ثم أعادوها للماء مرة أخرى، وكانت المفاجأة، إذ بقيت تلك الفئران على قيد الحياة تقاوم الموت ما بين 60:40 ساعة.

 

خلصت الدرسة إلى أن الموت المفاجئ للفئران في البداية، كان ناتجًا عن اليأس من النجاة، أما تمسكها الطويل بالحياة فهو نتيجة وجود أمل في الإنقاذ، وهو ما جعلها تتصارع مع الغرق؛ فالأمل عامل قوي في المثابرة.

 

التفاؤل من أقوى مضادات الاكتئاب والتوتر والقلق واليأس والقنوط، فهو مانع قوي للانتحار، ومن يتمسك بالتفاؤل فهو يمسك بالحياة، يؤكد ذلك البروفيسور "آرون بويك" أستاذ الطب النفسي الأمريكي، وأحد كبار الخبراء في العالم في أسس العلاج المعرفي، حيث يؤكد أن الاكتئاب في الأساس اضطراب في الفكر، وليس في العاطفة، حيث يميل المصابون إلى رؤية العالم بطريقة مشوهة وسلبية؛ فالمتفائلون والمتشائمون يتعاملون بشكل مختلف مع الشدائد، ومن ثم تتغير استجابتهم واستراتيجيتهم.

 

روابط ذات صلة:

ما علاقة العقل بصناعة الأمنيات؟

ما علاقة الرقمية بتعفن الدماغ؟

لماذا كثر المتشائمون حولنا؟

اغتراب الشباب لماذا أصبح أكثر انتشارًا؟

تساؤلات المراهق الفلسفية لماذا الآن؟