<p>أنا شاب أبلغ من العمر ٢٧ عامًا، ولي أخ يصغرني ويدرس في الجامعة. والدنا تُوفِّي ونحن في سن صغيرة، وتكفلت والدتنا بتربيتنا بكل حب وتفانٍ، وضحّت بالكثير من أجلنا، حتى أكملنا دراستنا وأصبحنا نعتمد على أنفسنا<span dir="LTR">.</span></p> <p>مؤخرًا، تقدّم لوالدتي رجل محترم في الخمسينيات من عمره، وعبّر عن رغبته الجادة في الزواج بها. لكنّي بصراحة لا أستطيع تقبّل الفكرة على الإطلاق، وكذلك أخي، فنحن نشعر باختناق وامتعاض كلّما طُرح الموضوع، وكأننا نُهان من الداخل<span dir="LTR">.</span></p> <p>خالي هو من فاتحنا بالأمر وأكّد أن هذا حقّها الطبيعي بعد كل ما قدّمته في حياتها، وأنها ما زالت في عمر يسمح لها بالعيش بسعادة ورفقة، لكنّنا نرفض تمامًا، ونشعر بأن زواجها نوع من الخيانة لذكرى والدي، أو كأننا سنفقد مكانتنا عندها<span dir="LTR">.</span></p> <p>نحن في حيرة: هل نحن على حق في موقفنا؟ أم أن خالنا ووالدتنا هما من على صواب؟ نحن نحبّ أمّنا كثيرًا، لكنّنا عاجزان عن تقبّل هذه الفكرة مهما حاولنا<span dir="LTR">.</span></p>
ابني الكريم،
كلماتك تعبّر عن مشاعر إنسانية عميقة تمزج بين الحبّ والغيرة والامتنان والخوف، وهي مشاعر طبيعية جدًّا في مثل حالتك، خصوصًا حين تتعلّق الأم في وجدان أبنائها بمقام عالٍ لا يُقاس. ومع ذلك، دعنا ننظر إلى الموقف بعين العقل والتوازن، بعيدًا عن العاطفة وحدها.
المقاومة الانفعالية للتغيير
إنّ ما تشعر به أنت وأخوك من امتعاض وضيق يُسمّى في علم النفس "emotional resistance" أي المقاومة الانفعالية للتغيير، وهي حالة يمرّ بها الأبناء حين يواجهون فكرة تمسّ صورة الأمّ الراسخة في أذهانهم، كأنها رمزٌ للأمان والاستقرار والوفاء للأب الراحل. هذه المقاومة ليست دليلاً على عقوق أو قسوة، لكنها انعكاس نفسي للارتباط الوجداني العميق (emotional attachment) بينكم وبينها.
احتياجات المرأة
إلا أن الأم، يا بني، ليست فقط "أمًّا" من منظورها الإنساني، بل هي أيضًا امرأة لها احتياجاتها النفسية والاجتماعية والوجدانية، ومن حقّها الشرعي أن تبحث عن رفيق يُؤنس وحدتها في ما بقي من عمرها. يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، فالسكن هنا ليس مقتصرًا على الشباب، بل حاجة فطرية تستمر ما دامت الحياة.
إنّ اعتراضكما، وإن بدا بدافع المحبة، قد يحمل في عمقه ما يُعرف نفسيًّا بـ"role confusion" أي اضطراب الأدوار؛ فأنتم تحاولون -من حيث لا تشعرون- أن تقوموا بدور "الزوج الحامي" لا "الابن"، وهو ما يخلق لديكم شعورًا بالغيرة الدفاعية. وهنا يجب أن تُعيدوا ضبط هذا الإدراك، فتتذكّروا أنكم الأبناء، ولستما المسؤولين عن تحديد مصير حياة أمكما العاطفية.
الخلط بين الوفاء والعدالة
إن رفضكما لزواجها بحجة الوفاء للأب هو خلط بين الوفاء للذكرى والعدالة الشعورية؛ لأن وفاء الأم لزوجها الراحل لا يُلغى بزواجها، بل يستمر في دعائها وذكرها الطيب له، بينما يحق لها أن تبدأ فصلًا جديدًا في حياتها دون أن تُتهم بالنكران.
ابني العزيز، لو نظرتم للأمر بعين البر الحقيقي، فسترون أن من أعظم البر بالأم أن تُدعما حقها في حياة كريمة، وأن تفرحا لفرحها كما فرحت هي بنجاحكما في حياتكما.
واعلم أن النضج النفسي (psychological maturity) لا يقاس بالسن، بل بالقدرة على تقبّل اختلاف رغبات الآخرين دون أن نشعر بالتهديد منها.
ثم انظر نظرة واعية للأمام، لا نظرة سطحية أو ضيقة، وتخيل حالها إن استقر كل منكما أنت وأخوك بحياته بعيدًا عنها أو حتى قريبًا منها، ماذا سيصبح حالها وحيدة لا مؤنس لها ولا رفيق، حتى وإن حاولتما تعويضها فسوف تأخذكما منها دوامة الحياة والأبناء، وربما أصبحت عبئًا بالنسبة لكما وتحتاج من يؤنسها ويشاركها تفاصيل حياتها، وقد لا يستطيع أي منكما وقتها توفير هذا الأمر.
وأخيرًا، أوصيك وأخاك بأن تُبديا احترامكما لرغبتها، وأن تتحدثا معها بهدوء، لتطمئنا إلى أن اختيارها قائم على عقلٍ ورؤية لا على حاجة عابرة. كونوا لها السند والداعم لا الرقيب والخصم، فرفقًا بقلبٍ أعطاكم عمره كلّه.
 * همسة أخيرة: 
كن لها ولدًا بارًّا، تكن لك أمًّا راضية، فبرّها لا يُقاس بطاعتك فقط، بل بتفهمك لحقها في أن تكون إنسانة كاملة.
روابط ذات صلة:
هل من حقي رفض زواج أمي بعد وفاة أبي؟!
أرملة خمسينية... تريد الزواج ويمنعها أبناؤها وكلام الناس