يؤرقني التقلُّب وعدم الثبات.. كيف أتمسك بزمام الاستقامة؟

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها الشيخ الفاضل، أحتاج إلى نصيحتكم وتوجيهكم. أنا شابٌّ في مقتبل العمر، منّ الله عليّ بالاستقامة والالتزام ببعض الطاعات، وأشعر بحلاوة الإيمان في أحيان كثيرة. ولكن المشكلة التي تؤرقني هي التقلُّب وعدم الثبات.</p> <p>فالعالم من حولنا مليء بالملهيات والفتن التي تهاجم القلب والعقل في كل لحظة، سواء من وسائل التواصل أو من بيئة العمل أو الدراسة. أشعر أن قلبي يضعف سريعًا ويشرع في الميل نحو التقصير أو حتى المعصية، وأحيانًا أفقد الحماس الذي بدأت به الطريق. أريد أن أُثبت قلبي على الطاعة، وأن أكون من الثابتين على دينه حتى الممات.</p> <p>فما هي الخطوات العملية والروحية التي تنصحونني بها لأتمسك بزمام الاستقامة وأُحصِّن نفسـي من هذه الموجات الجارفة من الفتن، وكيف أجدد إيماني باستمرار؟ جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.</p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، وأسأل الله العظيم أن يثبت قلبك وقلوبنا جميعاً على دينه، وأن يجعلك من الثابتين الصادقين.

 

إن سؤالك هذا دليل على يقظة قلبك وحرصك على الخير، وهو سؤال الأنبياء والصالحين؛ فالثبات على الطاعة في زمن الفتن هو الغاية الكبرى. فـإنّ هذه القلوب أوعية، فاشغلها بالخير قبل أن تشغلك بالشـر. فأبشر، فإن الله قد جعل للثبات أسبابًا متى تمسّكت بها، كنتَ بإذن الله من الناجين.

 

الأسباب الروحية والإيمانية (القوة الداخلية)

 

1. اللجوء إلى الله بالدعاء: هذا هو مفتاح الثبات الأعظم، فقد كان النبي ﷺ يكثر من دعاء: "يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك" فإيمانك بقوة الله وحده في تثبيتك هو أوّل خطوة.

 

2. التدبُّر المستمر للقرآن الكريم؛ فالقرآن ليس للقراءة فحسب، بل للتدبّر الذي يُرسِّخ العقيدة في القلب ويُبيِّن الحق من الباطل، وهو الحصن الذي يُواجه به المرء شبهات العصر وشهواته.

 

3. العلم الشـرعي والعمل به: الاستقامة على بصيرة هي ثبات، وهو التفسير الطبيعي لتثبيت الله لعباده أهل الإيمان، وهذا القول الثابت هو كلمة التوحيد التي تقوم على العلم واليقين، فاستمر في طلب العلم النافع الذي يُعرِّفك على حقيقة الدنيا وزوالها وحقيقة الآخرة وبقائها.

 

الأسباب العملية والواقعية (البيئة المحيطة)

 

1. الصحبة الصالحة: فالإنسان ابن بيئته، وفي زمن الفتن تكون الصُّحبة الصالحة بمثابة حبل النجاة. ابحث عنهم وعِش معهم وتواصَوا بالحق وتواصَوا بالصبر، والمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل، كما ثبت في السنة النبوية، والصاحب يعينك إذا ضعفت ويُذكِّرك إذا نسيت.

 

2. الابتعاد عن مواطن الفتن ومُسبّباتها: فالتثبيت ليس سحرًا، بل هو جهد في تغيير الواقع. إذا كنت تعلم أن وسيلة معينة (موقع، برنامج، مكان...) تُضعف قلبك، فاجتنبها بصدق. التغافل عن الفتن خير من الخوض فيها ومحاولة "الثبات" في وسطها. وقد ثبت الله تعالى نبيّه يوسف عليه السلام حين دعته امرأة العزيز للفتنة، والتثبيت جاء بعد بذل السبب في الصرف والبعد.

 

3. الاستمرار في الأعمال الصالحة وإن قلّت: التقلب الذي تشعر به هو طبيعة نفس بشرية تحتاج إلى مداومة. قال ﷺ: "أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ". حافظ على ورْد يومي من الذِّكر، أو قيام ليلة، أو صدقة خفية، فهذه المداومة تُغذّي شجرة الإيمان وتجعلها صلبة في مهب الرياح.

 

ونصيحتي لك -ختامًا- أيها الأخ الكريم هي أن تجعل مجاهدة النفس في سبيل الثبات هي العبادة التي لا تنقطع، واعلم أن هذا الجهاد فيه الأجر العظيم. لا تيأس من تقصير يطرأ عليك، فالبشـر خطّاؤون، والمهم هو سرعة الأوبة والرجوع. جدِّد التوبة في كل مساء، وابدأ كل يوم بقلب يرجو الثبات.

 

وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يربط على قلبك باليقين، وأن يجعلك من عباده الذين إذا رأوا الحق اتبعوه وإذا رأوا الباطل اجتنبوه، وأن يرزقك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وحسن الخاتمة.

 

 

روابط ذات صلة:

كيف أثبت على ديني في بيئة تغلب عليها الماديات؟

كيف أواجه الفتن وأحفظ نفسي وأسرتي في هذا الزمان الصعب؟

حين تضيق الدنيا من كل الجهات.. كيف أثبت على الإيمان؟

كيف أثبت على الحق في ظل هيمنة الثقافة الغربية والشبهات المنتشرة؟

10 معينات للثبات وقت الفتن