هل يكفي «حب الله» لعبادته؟ أم لا بد من الخوف والرجاء؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : روح العبادات
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 15
  • رقم الاستشارة : 2993
18/10/2025

هل يصح أن تكون عبادتي لله -سبحانه وتعالى- نابعة فقط من دافع الحب الصادق لله لذاته، ولأسمائه الحسنى وصفاته العُلا، وشكرًا لنعمه التي لا تُعد ولا تُحصى، بدلًا من أن يكون الدافع الأساسي هو الخوف من نار جهنم أو الطمع في جنة النعيم؟

الإجابة 18/10/2025

مرحبًا بك أخي الكريم، وأشكرك جزيل الشكر على ثقتك الغالية في موقعنا، وأسأل الله العلي القدير أن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يلهمك الرشاد والسداد في القول والعمل، وأن يجعلنا وإياك من عباده المقربين المخلصين، وبعد...

 

فإن الدافع الأساسي للعبادة في الإسلام هو مزيج متكامل من المحبة، والرجاء (الطمع في الجنة)، والخوف (من النار). وأن تكون عبادتك نابعة -في الأساس- من دافع الحب الصادق لله، لذاته وشكره على نعمه، فالجواب هو: نعم؛ لكن دون أن تلغي تمامًا دافعَي الخوف والرجاء؛ لأن هدي الأنبياء -عليهم جميعًا الصلاة والسلام- قائم على الموازنة بين هذه الأركان الثلاثة.

 

الحب هو أصل الدين وجامع الأركان

 

إن حب الله ليس مجرد شعور عابر؛ بل هو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الدين كله. هو الدافع الأعظم الذي يطهِّر النية ويزكي العمل.

 

وعبادة الله محبةً لذاته الكريمة، ولكماله المطلق، ولأسمائه الحسنى وصفاته العُلا، هي قمة الإيمان ومقام الإحسان. والقرآن الكريم يؤكد هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ [سورة البقرة: 165]. فحب الله عند المؤمن أعلى وأغلى من حب سواه، وهو علامة الإيمان والإخلاص.

 

إننا في مجتمع الناس نحب من أحسن إلينا، فكيف بمن خلقنا ورزقنا؟ والكمال المطلق لا يكون إلا لله، ولذا فإن القلب السليم لا يجد راحة ولا استقرارًا إلا في التوجه إليه بالحب الصادق والتعظيم اللائق.

 

العبادة بدافع الشكر على النعم:

 

والعبادة بدافع الشكر هي أيضًا مقام عالٍ، وهي نابعة من استشعار العبد لرحمة الله وعطائه غير المحدود. فكل نعمة نتقلب فيها -من تنفس وسمع وبصر وأمن ورزق- هي دعوة من الله لنا لذكره وشكره وحسن عبادته. وقد ضرب لنا النبي أروع الأمثلة على ذلك، حيث كان ﷺ يقوم الليل حتى تتفطَّر قدماه، فلما سألته عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، لِمَ تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟» [متفق عليه].

 

ضرورة التوازن بين الحب والخوف والرجاء

 

إن منهج أهل السنة والجماعة يرى أن العبادة الصحيحة يجب أن تكون مزيجًا متكاملًا ومتوازنًا من كل من الحب والخوف والرجاء. فقد أشار العلماء إلى أن العبادة كالطائر: الحب رأسه، والخوف والرجاء جناحاه. ولقد قال بعض السلف: «من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو خارجي، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد بالله بالحب والخوف والرجاء فهو العبد الموحِّد».

 

وقد كان النبي ﷺ والأنبياء قبله يجمعون بين هذه الدوافع كلها في عباداتهم؛ ما يدل على أنه منهج شرعي لا غنى عنه. وقد وصف القرآن الكريم النبي زكريا وأهله -عليهم السلام- بقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ وَیَدۡعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًاۖ وَكَانُوا۟ لَنَا خَـٰشِعِینَ﴾ [سورة الأنبياء: 90]. وقد كان من أكثر دعاء النبي ﷺ: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» [متفق عليه].

 

والمؤمن الصادق، يكون خوفه من النار وطمعه في الجنة نابعًا في الأصل من محبة الله عز وجل، لأن الجنة هي دار النعيم الأعظم، وأعلى نعيمها هو رؤية وجه الله الكريم. فمن أحب الله بصدق فإنه يطمع في دخول الجنة؛ لأن الجنة هي المكان الوحيد الذي وعد الله فيه عباده المقربين بشرف النظر إليه سبحانه، وهو غاية مناه. ولأن النار هي دار العذاب الأليم، وأشد عذابها هو الحجب عن الله تعالى، وهذه أقصى عقوبة للمحب، أن يُمنع من رؤية محبوبه.

 

إذن -أخي الحبيب-  أدعوك إلى الاستمرار في العبادة بدافع الحب والشكر، مع عدم إغفال الخوف والرجاء، فهما صمام أمان للقلب، وحبلان متينان يشدانك نحو الطاعة ويُبعدانك عن المعصية. اجعل الحب هو أصل عبوديتك، واجعل الخوف يمنعك من التقصير، والرجاء يحثك على الاستزادة، وبذلك يتحقق كمال التوحيد.

 

أسأل الله أن يرزقنا وإياك لذة النظر إلى وجهه الكريم في الجنة، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وفقك الله وسدد خطاك.

 

روابط ذات صلة:

كيف أحقق التوازن بين الخوف من الله ومحبته؟

الخوف من الله هل هو مرض؟

كيف أفهم المحبة الإلهية وأجعلها منطلقًا لدعوتي؟

الخوف والرجاء

الرابط المختصر :