الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الابتلاءات والمصائب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
89 - رقم الاستشارة : 3481
02/12/2025
السلام عليكم ورحمة الله. أنا بنت عندي 34 سنة، والحمد لله ملتزمة بصلاتي وحجابي. مشكلتي اللي تعباني جداً ومخلية إيماني يتهز هي إن جوازي اتأخر بشكل غريب ومش مفهوم. كل ما يجيلي عريس، الدنيا بتتعقد وتكلكع في آخر لحظة ويسيبني ويمشي من غير أي سبب واضح. بدأت أحس بمرارة ووجع في قلبي، وبسأل نفسي: هو ربنا كاتب عليا الشقا والتعب في الدنيا؟ وهل (وقف الحال) ده عقاب من ربنا على ذنوب أنا مش عارفاها، ولا ده قضاء وقدر مفيش مفر منه؟ أنا خايفة اليأس يتملك مني وأعترض على حكم ربنا.. فإزاي أريَّح قلبي وأرضى باللي ربنا كتبهولي؟
مرحبًا بك يا ابنتي، وأسأل الله العظيم أن يرزقك الطمأنينة، وأن يملأ قلبك بالرضا واليقين، كما أسأله -جل وعلا- أن يصبَّ عليك الخير صبًّا، وأن يقرَّ عينك بزوجٍ صالحٍ تقيٍّ نقيٍّ، يكون لك سكنًا ومودةً ورحمة، وأن يعوِّض صبرك خيرًا مما تتمنين، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وبعد...
هل ما يحدث «شقاء» كتبه الله عليك؟
عند توالي الصدمات يستغل الشيطان الفرصة، ويوسوس لنفس المؤمن بأن الله يريد تعذيبها، ولكن الحقيقة تغاير ذلك تمامًا. فالله -جل جلاله- أرحم بك من أمك وأبيك، بل ومن نفسك.
إن هناك فارقًا بين «الشقاء» و«الابتلاء». فالشقاء هو البعد عن الله والضلال، أما ما تمرين به فهو «ابتلاء وتمحيص». والابتلاء في الدنيا سُنة ماضية لا مفر منها، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].
وتأملي معي يا ابنتي كلمة «وبشِّر»، فهي تأتي في ذروة الألم. إن الله لا يبتلي ليُعذِّب، وإنما يبتلي ليهذِّب، وليُقرِّب، وليُعدَّ عبده لمنزلة لا ينالها بعمله المجرد؛ بل بصبره. لذا، هذا التأخير ليس شقاءً أبدًا؛ بل هو مرحلة إعداد لحكمة يعلمها الله، ربما يدفع عنك بها شقاءً محققًّا لو تم زواجك بواحد ممن سبقوا.
هل تأخر الزواج عقاب على ذنوب؟
هذا السؤال يتردد كثيرًا في أذهان المبتلين، والإجابة عليه تحتاج لتفصيل دقيق يريح قلبك:
1- علامة محبة: ليس كل منع عقابًا. إن الأنبياء هم أشد الناس بلاءً، فهل كان ذلك لعَيبٍ فيهم؟ حاشاهم. قال رسول الله ﷺ: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه» [رواه الترمذي]. فشدة الابتلاء قد تكون دليلًا على قوة الإيمان لا على الذنوب.
2- تكفير ومحو: حتى لو افترضنا وجود ذنوب (وكلنا ذوو خطأ)، فإن ما يصيبك من همٍّ وغمٍّ وكسر خاطر هو بحد ذاته تطهير لك. قال النبي ﷺ: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه» [متفق عليه]. فكيف بوجع القلب من تأخر الزواج؟ إنه مطهرة عظيمة لك بإذن الله.
3- حماية خفيَّة: إن انصراف الخُطَّاب في اللحظات الأخيرة دون سبب واضح -كما ذكرتِ- قد يكون هو قمة الرحمة. فنحن البشر ننظر للظاهر، ونرى «العريس» مناسبًا، ولكن الله يطلع على السرائر والمستقبل. قد يكون في أحدهم شر مستطير (سوء خلق، بخل، نفاق، مرض خفي) لا تعلمينه، فصرفه الله عنك ليعصمك من حياة بئيسة قد تنتهي بطلاق مؤلم.
تذكري قوله تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216]. الله يعلم وأنت لا تعلمين؛ هذه هي القاعدة التي تطفئ نار الحيرة.
كيف تريحين قلبك وترضين بالقضاء؟
القلق شعور مشروع، ولكن علاجه يكون بتحويل التركيز من «الانتظار» إلى «الاستثمار»، ومن «الترقُّب» إلى «التسليم». وأنصحك بالآتي:
1- فهم معنى اسم الله «الحكيم»:
تخيَّلي لو أن طفلًا صغيرًا يبكي لأنه يريد اللعب بسكين حاد يظنه لعبة لامعة، وأمه تمنعه بقوة. الطفل يرى المنع قسوة وحرمانًا، والأم تراه حماية ورحمة. ولله المثل الأعلى، فمنعُ الله عطاء خفي. وقصة الخضر مع موسى -عليه السلام- في سورة الكهف خير دليل؛ فمثلًا: خرق السفينة كان ظاهره أذى وباطنه نجاة من ملك ظالم. فاعتبري تأخر زواجك «خرقًا لسفينة رغباتك» الآن؛ لكنه نجاة لك ووصول إلى بر الأمان في الوقت الذي يراه الله مناسبًا.
2- الرضا لا يعني عدم الألم:
يا ابنتي، إن الرضا لا يعني ألا تحزني وألا تبكي، فهذا طبع بشري وفطرة إنسانية. إن الرضا هو «سكون القلب تحت مجرى الأحكام»، أي أن تقولي: «يا رب، أنا متألمة، ولكنني لا أعترض على حكمك، وأعلم أن خيارك لي أفضل من خياري لنفسي».
تذكري قصة أم سلمة -رضي الله عنها- حين مات زوجها أبو سلمة، فقالت الدعاء المأثور، وهي لا تتخيل أن هناك من هو خير منه: «اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها» [رواه مسلم]. فبمن عوَّضها الله؟ بأفضل البشر، رسول الله ﷺ! إن العوض يأتي من حيث لا نحتسب، وبالشكل الذي لا نتخيله.
3- التعامل مع الأسباب غير المفهومة:
بما أن أمور الزواج تتعقد بشكل غير منطقي، فلا بأس من الأخذ بالأسباب الشرعية للتحصين، دون وسوسة:
- حافظي على أذكار الصباح والمساء والأحوال بقلب حاضر.
- اقرئي واستمعي إلى سورة البقرة في بيتك باستمرار.
- أكثري من الاستغفار، فإنه مفتاح الأقفال، قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ [نوح: 10- 12]. لكن احذري من أن تجعلي فكرة السحر أو الحسد شماعة توقف حياتك. توكلي على الله، فإن كيد الشيطان كان ضعيفًا.
4- غيِّري زاوية النظر:
أنتِ في سن 34، وهي سن النضج واكتمال العقل. لا تنظري لنفسك بنظرة المجتمع القاصرة؛ بل انظري لنفسك بعين الامتنان. لديك دينك، صحتك، عقلك. اشغلي وقتك بما ينفعك (علم، عمل، تطوع، حفظ قرآن، هواية نافعة... إلخ). فالفراغ والانتظار هما وقود اليأس. حين يراك الله منشغلة به وبطاعته برضا، سيرضيك حتمًا.
5- الدعاء بيقين وليس تجربة:
ادعي الله وأنت موقنة بالإجابة، ولكن فوضي التوقيت له سبحانه. روي عن بعض السلف: «لو كشف الله الغطاء لعبده، وأظهر له كيف يدبر الله له أموره، وكيف أن الله أرحم به من أمه، لذاب قلب العبد محبة لله، ولتقطع قلبه شكرًا لله».
وختامًا يا ابنتي، أنت لست منسيَّة، ولست معاقبة، ولست شقية. أنت في عناية الله، يدبر لك الأمر. فارفعي رأسك وامسحي دموعك، وجددي ثقتك بالله. لعل الله يخبئ لك زوجًا صالحًا في وقتٍ تكونين فيه أحوج ما تكونين إليه، أو يدخر لك أجرًا يوم القيامة يعوضك عن كل ألم وكل انتظار. وفقك الله ورعاك وربط على قلبك.
روابط ذات صلة:
تأخرت في الزواج.. كيف أحمي نفسي؟
كيف أفهم حكمة الله في تأخير الزواج أو الرزق؟