هل الأمراض المعدية تمنع من أداء فريضة الحج؟

Consultation Image

الإستشارة 10/12/2025

ورد في الحديث أن عمر رضي الله عنه وجد امرأة مصابة بالجذام تطوف بالبيت فقال لها لا تؤذي الناس لو جلست في بيتك لكان خيرا لك.  فهل يفهم من ذلك أن صاحب المرض المعدي ليس عليه حج ام أن ذلك كان في طواف تطوع، وخاصة وقد ظهرت أمراض أكثر خطرا مثل السرطانات ومرض نقص المناعة وغيره.

الإجابة 10/12/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالأثر الذي ذكرته صحيح وثابت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد رواه الإمام مالك في "الموطأ" وغيره. والأثر لم يحدد هل كان طوافها للحج أو العمرة الواجبة أم للتطوع، وليست كل الأمراض تمنع من أداء فريضة الحج، أو التأخر عن الجُمع والجماعات حتى لو كانت معدية، فيمكننا الاحتراز منها، عن طريق لبس الكمامات أو الصلاة في آخر الصفوف أو المصليات الملحقة بالمسجد.

 

ومرجع ذلك كله لأهل الذكر من الأطباء، فإن قالوا يمكن الاحتراز من الإصابة بهذا المرض عن طريق الوسائل التي تقي من انتشار العدوى، فعلينا بالأخذ بالأسباب المتاحة والمباحة ثم نترك النتائج على الله.

 

وكثير من الأمراض في العصر الحالي يتم الشفاء منها سريعًا دون أن تترك أثرًا وقد تنتقل عن طريق وسائل المواصلات أو الأسواق أو قاعات الدراسة في المدارس والجامعة، فهل سنعطل كل هذه المصالح من أجل هذه الأمراض، أما أننا سنمارس أعمالنا الدنيوية ثم نعطل الفرائض مثل الحج والجمعة؟

 

الاعتدال والتوسط في هذه الأمور

 

والاعتدال والتوسط في هذا الأمر هو مقصد الشرع، فإذا كان المرض مميتًا أو يسبب ضررًا لا يمكن تداركه كما كان يحدث من الجذام في الماضي، فلا ضرر ولا ضرار، أما إن كان محتملاً فنأخذ بالأسباب ونقضي الواجبات الدينية كما نقضي الواجبات الدنيوية، بل الواجبات الدينية أولى.

 

دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة

 

والمريض بمرض شديد العدوى (مثل الجذام في ذلك الزمن، أو الأوبئة الفيروسية الخطيرة في زماننا)، إذا خالط الأصحاء في أماكن الزحام الشديد كالحج والطواف، فإنه سيوقع ضررًا محققًا أو شبه محقق بالآخرين. وهذا محرم شرعًا.

 

والحج مصلحة عظيمة وعبادة جليلة، ولكن نقل العدوى وإيذاء المسلمين وتفشي الوباء مفسدة عظيمة. وعندما تتعارض المصلحة (أداء الفرد لعبادته) مع المفسدة (إضرار المجتمع)، فإن الشريعة تقدم دفع المفسدة على جلب المصلحة. فسلامة الأمة والمجتمع مقدمة على أداء الفرد لشعيرة يمكن أن تُقضى لاحقًا أو تسقط للعذر.

 

لكن لا بد أن تكون المفسدة كبيرة وعامة، ولا يمكن دفعهاـ فليس كل مفسدة وإن كانت قليلة وخاصة، ويمكن تفاديها مسقطة للعبادات.

 

وفعل عمر رضي الله عنه متوافق تمامًا مع الهدي النبوي المباشر في التعامل مع الأمراض المعدية. قال ﷺ عن الطاعون: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ" (متفق عليه).

 

وقال ﷺ: "لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ" (متفق عليه)، أي لا يخلط صاحب الإبل المريضة إبله مع الإبل الصحيحة، وهذا يشمل البشر من باب أولى.

 

والله تعالى أعلى وأعلم

 

روابط ذات صلة:

كيف تعامل المسلمون مع الأوبئة وآثارها في مراحل تاريخهم؟

ترك صلاة الجمعة بسبب الإصابة بالبرد

حكم صلاة الجمعة لمن يصاب بالفيروسات المعدية؟

الرابط المختصر :