الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
38 - رقم الاستشارة : 1588
10/04/2025
ما هي أهداف مشروع الموسوعة القرآنية للمستشرقة آنجليكا نويفرت الذي يعد أكبر المشاريع حول القرآن؟
يحضر القرآن الكريم في الدراسات الغربية الاستشراقية كحقل علمي مستقل منذ القرن التاسع عشر، حيث أولى المستشرقون اهتمامًا ملحوظًا بدراسة تاريخ القرآن الكريم.
يشير المفكر الراحل "إدوارد سعيد" إلى أن عدد الكتب التي أنتجها الاستشراق في مائة وخمسين عامًا عن الشرق الأدني بلغ ستين ألف كتاب في الفترة من 1800م حتى العام 1950م، وهو جهد علمي ضخم له بواعثه، وانصرف جزء كبير من تلك الدراسات نحو القرآن الكريم في تكوينه وتدوينه، وتكاد الرؤية الاستشراقية للقرآن تدور حول أمرين:
الأول: أن القرآن كتاب "غير مرتب" يحتاج إلى ترتيب معقول يتماشى مع العقلية الغربية.
الثاني: اعتبار القرآن تلخيصًا لأفكار النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وصار ذلك الزعم هو أساس الكتابات الاستشراقية، فلم يضع الاستشراق احتمالاً أن يكون القرآن وحيًّا إلهيًّا.
مشروع "كوربوس كورانيكوم"
أما مشروع "كوربوس كورانيكوم" Corpus Coranicum للقرآن الكريم، فحسب دراسة الباحث الألماني "ديرك هارتفيغ" أحد مؤسسي هذا المشروع فيعد "كوربوس كورانيكوم" أحد أبرزِ المشروعات القرآنية في فضاء البحث الغربي المعاصر حول القرآن الكريم وعلومه، وقد تأسَّس هذا المشروع عام 2007م في أكاديمية برلين - براندنبورغ للعلوم، بمبادرة من كلٍّ مِن أنجيليكا نويفرت ونيكولاي سيناي ومايكل ماركس، ومن المتوقع أن يكون العام الحالي 2025م هو نهاية الجهد العلمي في هذا المشروع.
والمشروع حسب "ديرك هارتفيغ" يهدف إلى التقييم المنهجي للمخطوطات القرآنية المبكرة، وتحليل المخطوطات القرآنية من مختلف الأقطار، وتوثيق القراءات القرآنية المختلفة، أي التوثيق النصي التاريخي للنص القرآني، ويعتمد المشروع على تسجيلات فيلمية للمخطوطات القرآنية بلغ عددها (12) ألف مخطوطة، ويهدف كذلك إلى تدشين أول فهرس للمخطوطات القرآنية.
وحسب "ديرك هارتفيغ" لا يهدف المشروع إلى تقديم طبعة نقدية من القرآن على غرار دراسات الكتاب المقدس، وأنه لا يهدف إلى تشويه القرآن من حيث المحتوى، ولكن هدفه التحقيق والتمحيص من خلال المقارنة بين المخطوطات الموجودة، والقراءات القرآنية، تلك القراءات التي يقول عنها "هارتفيغ" إنها تفسيرية، ويقول عنها إنها "ملاحظات بينية بغية التوضيح لا علاقة لها بالنص".
يرى "هارتفيغ" أن المشروع له السبق لأول مرة في تقديم قاعدة نصية مصحوبة بالموثوقية التاريخية، وستكون هذه القاعدة النصية التي أرساها المشروع هي النسخة المرجعية للأبحاث الغربية النقدية عن القرآن.
والحقيقة أن الاستشراق لا يكف عن الادعاء ببشرية القرآن الكريم، ويحاول من خلال دراساته وأبحاثه ومشاريعه تأكيد هذه الفرضية الكاذبة، متجاهلاً أن القرآن وحي ونص سماوي.
ولهذا سعى المستشرقون لإيجاد رابط بين تاريخ العرب قبل الإسلام وبين القرآن الكريم، وتحدثوا عن أثر البيئة المكية على بناء النص القرآني، وحاولوا إيجاد نوع من العلاقة بين القرآن والتوراة، معتمدين على منهجية نقدية تُخرج القرآن من كونه وحيًّا وكتابًا مقدسًا إلى كونه كتابًا بشريًّا.
أما المستشرقة الألمانية "أنجليكا نويفرت" المشرفة على المشروع فتصر على أن القرآن ليس وحيًّا سماويًّا، وتطلق على القرآن مصطلح "خطاب نبوي عفوي"، ومعناه أن القرآن منتج بشري وليس إلهيًّا، ومن ثم فهي تنكر الوحي، وتمضي في أوهامها للزعم بأن القرآن نص شعري، لتصف بعض الآيات بأنها "آيات إنشادية"، فهي تزعم إلى احتمال اقتباس القرآن من "مزامير داوود".
وهناك أربعة مداخل عامة رئيسية لهذا المشروع، هي: دراسة المخطوطة القرآنية، المقارنة بين قراءات القرآن، التعرف على الظروف التاريخية والدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية لعصر نزول القرآن، والدراسة التاريخية والأدبية للنص القرآني.
وقد حظي هذا المشروع بتمويل يمتد حتى العام 2025م، ويشارك فيه (12) باحثًا ومحققًا، ويهدف إلى توثيق النص القرآني من خلال مخطوطاته.
أما أهم الانتقادات التي يمكن توجيهها لهذا المشروع، فهي:
* أن التلقي الشفاهي هو أساس في القرآن من خلال التواتر.
* انتهاء دور نُسخ القرآن المتعددة منذ توزيع مصحف عثمان على الأمصار؛ فالقرآن يُثبت بالنص الشفاهي والنص الكتابي على السواء.
* المنهجية الاستشراقية تسعى لتفسير القرآن بروح تستعلي على النص.
* بعض المنهجيات الغربية لن تساعد في فهم النص خاصة التاريخية؛ لأن أسباب النزول لا تختزل النص، فهي تشير إلى بيان جانب من مقاصد النص ومعانيه.
* فهم القرآن يحتاج إلى فهم السنة النبوية وعلومها، وفهم الفقه وأصوله، وهي أمور لم تتوفر لتلك المشاريع؛ إذ هناك اقتصار على المخطوطات وبعض المعارف اللغوية، وكلاهما لا يصلح أن يقدم رؤية تفسيرية للقرآن الكريم، فالقرآن نص أكبر من أن تستوعبه تلك المناهج.
* كما أن البحث في طبيعة المخطوطات يختلف عن البحث في موضوع القراءات.
يمكن مطالعة تفاصيل المشروع في دراسة الباحث الألماني "ديرك هارتفيغ" عن المشروع