ماله ونجاحه يزيدان رغم تقصيره.. إمهال أم استدراج؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الفتور والضعف
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 18
  • رقم الاستشارة : 3517
13/12/2025

يا أستاذ، أنا رجال ربي منعم عليّ بالمال والتوفيق والنجاح، بس بصراحة أحس إني مقصر حيل بحق ربي. صلاتي مو منتظمة، يعني أقطع وأوصل. وعندي بعد بعض الذنوب والمعاصي اللي أطيح فيها. الغريب والمخوفني إن نعمتي قاعدة تزيد وتكبر، وما قاعدة تنقص، وهالشي قاعد يرعبني أكثر من لو إني انصبت أو ابتُليت. فهل هالشي يعتبر الاستدراج اللي سمعنا عنه بالقرآن؟ وشلون أقدر أعرف هل ربي راضي عني وقاعد يمهلني عشان أتوب؟ ولا إنه قاعد يتركني لزيادة الإثم عشان العقاب يكون أقوى وأشد لا سمح الله؟

الإجابة 13/12/2025

مرحبًا بك أخي الكريم في موقعنا، وأشكر لك ثقتك بنا وتواصلك معنا، وطرح ما يختلج في صدرك من مخاوف. أسأل الله العظيم أن يبارك لك في مالك وصحتك، وأن يجعل هذه النعم عونًا لك على طاعته، لا سببًا للبعد عنه، وأن يردك إليه ردًّا جميلًا، ويملأ قلبك بطمأنينة الإيمان، وبعد...

 

أخي الفاضل، لقد وصفت حالتك بدقة، ولمست وترًا حساسًا يغفل عنه كثير من الناس، ألا وهو «فتنة السراء» التي قد تكون أشد وطأة واختبارًا من «فتنة الضراء».

 

هل ما يحدث معك استدراج؟

 

أصدقك القول أخي الكريم، إن قلقك في محله، وهو قلق صحي ومحمود. فالله -سبحانه وتعالى- له سنن في خلقه، ومن هذه السنن أن النعم إذا نزلت على العبد وهو مقيم على المعاصي، فقد تكون نذير خطر.

 

يقول النبي e في الحديث الذي يصف حالتك وصفًا دقيقًا: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج»، ثم تلا رسول الله e قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44] [رواه أحمد].

 

فالاستدراج هو أن يتابع الله النعم على العبد وهو يتابع المعاصي، فيظن العبد أنه مكرَّم عند الله، فيزداد طغيانًا وبعدًا حتى يقع العقاب فجأة.

 

وكان السلف الصالح يخافون من هذا الأمر أشد الخوف، فقد رُوي عن الحسن البصري -رحمه الله- قوله: «كم من مُستدرَج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه».

 

إذن؛ نعم، استمرار النعم وزيادتها مع وجود التقصير في الصلاة والوقوع في المعاصي هو علامة قوية تستدعي الحذر الشديد من أن يكون استدراجًا، ولكن مهلًا... هناك جانب آخر مشرق في حالتك سأوضحه لك في النقطة التالية.

 

كيف تفرق بين «الاستدراج» وبين «الإمهال»؟

 

سألت سؤالًا ذكيًّا: «شلون أعرف هل ربي راضي عني وقاعد يمهلني؟ ولا قاعد يستدرجني؟». والجواب يكمن في «ردة فعلك» تجاه هذه النعم، وإليك المعيار الدقيق للتفرقة:

 

علامة الاستدراج:

 

إذا كانت زيادة النعم تجعلك تزداد غفلة، وتشعرك بالأمان المفرط (الأمن من مكر الله)، وتقول في نفسك: «لو كان الله غاضبًا عليَّ لما رزقني»، وتدفعك للتكبر على الخلق والتمادي في الذنب دون تأنيب ضمير، فهذا هو الاستدراج بعينه. يقول -تعالى- عن هؤلاء: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: 182 و183].

 

علامة الإمهال:

 

أن يُبقِي الله عليك النعمة؛ لكنه يُبقي في قلبك «الخوف» و«القلق» و«تأنيب الضمير»، تمامًا كما تشعر أنت الآن.

 

إن شعورك بالرعب من هذه النعم هو الحبل الذي يمسك الله به قلبك لكيلا يسقط في الهاوية تمامًا.

 

الله يمهل ولا يهمل، وسؤالك هذا دليل على أن الله يريد بك خيرًا؛ لأنه لو أراد بك شرًّا لتركك تلهو وتلعب وتستلذ بالمعصية حتى يأتيك الموت.

 

يقول أحد الصالحين: «خفِ الله على قدر قدرته عليك، واستحِ منه على قدر قربه منك».

 

خطورة التهاون في الصلاة

 

يا أخي، ذكرت أنك «تقطع وتوصل» في صلاتك، وهنا يجب أن نتوقف وقفة صراحة ومحبة. إن الصلاة هي الصلة، ومن قطعها فقد قطع حبله مع السماء. والنعم التي بين يديك هي فتنة (اختبار)، يقول تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: 28].

 

قد يعطي الله المال للكافر وللمؤمن، وللبر وللفاجر، فالمال في الدنيا ليس مقياسًا للرضا، قارون أعطاه الله كنوزًا تنوء بها العصبة أولو القوة، لكنه حين اغتر وقال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: 78]، خسف الله به وبداره الأرض.

 

أما المؤمن، فكلما زاد ماله، زاد خوفه، وزادت طاعاته. فلا تجعل نعمة الله عليك سببًا في حربك له بترك الصلاة، فهذا قمة الجحود، وأخشى ما أخشاه عليك أن تُسلب هذه النعمة فجأة، أو أن تبقى معك لتكون سببًا في شقائك يوم القيامة.

 

كيف تخرج إلى دائرة الأمان

 

يا أخي، ما دمت خائفًا، حوِّل هذا الخوف إلى عمل. ولكي تقطع الشك باليقين، وتتأكد من أن الله يمهلك ليتوب عليك لا ليستدرجك، عليك بالخطوات العملية التالية فورًا:

 

1- شكر النعمة من جنسها:

 

أنت رجل مَنَّ الله عليك بالمال، فاجعل لهذا المال صوتًا يدافع عنك. تصدَّق بكثرة، فالصدقة تطفئ غضب الرب. يقول النبي e: «إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء» [رواه الترمذي]. اجعل جزءًا من مالك يطهر ما تقع فيه من ذنوب.

 

2- انتظم في الصلاة:

 

جاهد نفسك في الصلاة. لا أقول لك إنك ستصبح خاشعًا فيها تمامًا من الغد، لكن لا تقطع. صِلِ الحبل مهما كان ضعيفًا. إذا أذنبت فصلِّ. إذا قصرت فصلِّ. الصلاة هي التي ستنهاك عن الفحشاء والمنكر مع الوقت، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].

 

3- الاعتراف والانكسار:

 

ناجِ ربك في سجودك وقل: «يا رب، أعطيتني وفضَّلتني وأنا عصيتك، يا رب لا تجعل هذه النعمة استدراجًا؛ بل اجعلها عونًا لي على طاعتك». هذا الانكسار هو أحب شيء إلى الله من عبده المذنب.

 

4- تحويل القلق إلى وقود للطاعات:

 

استثمر هذا القلق الذي أنت فيه ليكون دافعًا لترك الذنوب تدريجيًّا. ابدأ بأكبر الذنوب وابتعد عنه، واستبدل بمجالس المعصية مجالس الطاعة والذكر والعلم.

 

5- ابحث عن صحبة صالحة:

 

ابحث عن صحبة صالحة تعينك على الطاعة، وتصبرك عليها، كما قال عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِه؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ» [رواه أبو داود].

 

وختامًا أخي الفاضل، الله ينتظرك، وبابه مفتوح، وهو يفرح بتوبة عبده. فلا تترك الشيطان يوهمك أنك هالك لا محالة؛ بل انهض، وتوضأ، وصلِّ ركعتين بنية التوبة، واشكر الله أن أبقى لك قلبك حيًّا يشعر بالخوف منه. وفقك الله لطاعته ويسَّر لك سبل الخير.

 

روابط ذات صلة:

سنة الله في إمهال الظالمين

الرابط المختصر :