الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
181 - رقم الاستشارة : 2316
14/08/2025
أحيانًا أتحدث وأنصح وأرسل كلمات طيبة أو مقاطع نافعة، لكن لا أرى أثرًا ظاهرًا، ولا يرد عليَّ أحد، وأشعر أن الناس لا يهتمون، بل أحيانًا يتجاهلون! وهذا يُضعف حماسي. فهل يدل هذا على أن دعوتي بلا نفع؟
أيها الأخ المبارك، أيها الغيور على الخير، سلام الله عليك ورحمته وبركاته، أول ما أود أن أقوله لك هو أنني أشعر بك تمامًا، وأتفهم ما يختلج في نفسك من إحباط حين تبذل جهدك في الدعوة ولا ترى أمامك استجابة واضحة أو كلمات تشجيع.
لكن اسمح لي أن أضع يدك على حقيقة مهمة، لعلها تزيل عنك هذه الغمامة: الدعوة إلى الله ليست تجارة مادية تقاس أرباحها بالأرقام الفورية، بل هي غرس إيماني قد يتأخر حصاده، لكنه في ميزان الله محفوظ لا يضيع.
أولا: الدعوة تكليف لا تقييم
قال الله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾ [الأعلى: 9-10]، وانظر كيف جعل الله مهمتك هي التذكير، ولم يربطها برؤية النتيجة في الحال. فمقياس النجاح في ميزان السماء هو أداء الأمانة لا حجم التفاعل.
ونبينا ﷺ ظل في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو ويُكذَّب ويُستهزأ به، ومع ذلك لم يتوقف، لأنه يعلم أن الهداية بيد الله: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: 56].
ثانيًا: أثر الدعوة قد يكون خفيًّا
ربما ترى نفسك أنك لم تؤثر، لكن في الحقيقة قد تكون كلمتك قد أنقذت قلبًا من فتنة، أو بثّت نورًا في طريق مظلم، قال ﷺ: ((لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم)) لاحظ: لم يشترط أن تعرفه أو أن يأتيك يشكرك!
كثيرون تأثروا بدعوة أو مقطع أو نصيحة، ولم يخبروا صاحبها يومًا، لكنهم دعوا له بظهر الغيب. وتاريخ الدعوة مليء بأمثلة غرسها الدعاة في صمت، فكانت ثمارها بعد أعوام أو حتى بعد وفاتهم، فهذا سيدنا نوح عليه السلام: لبث في قومه 950 سنة يدعوهم، ومع ذلك قال: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ هل كان ذلك فشلا؟! لا؛ لم يكن ذلك فشلًا، بل كان نجاحًا في أداء الأمانة، وانظر إلى حال سفير الإسلام الأول سيدنا مصعب بن عمير رضي الله عنه: ذهب إلى المدينة وحده ففتح الله به القلوب، وكان سببًا في إسلام كبار الأنصار، ومع ذلك لم يكن له جيش ولا شهرة حين بدأ.
ثالثًا: توازن بين الأصالة والمعاصرة
اليوم، الدعوة عبر الرسائل أو المقاطع المرئية قد تصل إلى آلاف الأشخاص في لحظة، لكن ضعف التفاعل الظاهر لا يعني قلة النفع.
قد يشاهد أحدهم مقطعك في وقت ضيق، فيؤجل الرد، لكنه يحتفظ به في قلبه أو يرسله لغيره. وقد تمر على رسالتك سنين، ثم تكون سببًا في عودة أحدهم إلى الله.
رابعًا: نصائح عملية لمواصلة الطريق
1) جدد نيتك مع كل رسالة أو كلمة. النية الخالصة تجعل العمل مقبولًا عند الله وإن لم يره أحد.
2) نوّع أسلوبك بين النصوص، القصص، الأسئلة المحفزة، والوسائل البصرية.
3) لا تحصر وسائلك في الكلام المباشر، فهناك الدعوة بالصمت، بالدعاء، بالقدوة الحسنة، وهي أحيانًا أعمق أثرًا من الكلمات.
4) استعن بالصبر والدعاء، واجعل قول النبي ﷺ في بالك: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)).
أيها الداعية المبارك، قد تكون دعوتك كالرسالة التي تُلقى في زجاجة في البحر، لا تعرف متى وأين تصل، لكنها حين تصل قد تنقذ حياة كاملة. فلا تكسر قلمك، ولا تصمت لغياب الردود؛ فالمقياس عند الله، وربما تلتقي في الجنة بمن يقول لك: (أنا ثمرة دعوتك التي لم ترها يومًا).
وأسأل الله -ختامًا- أن يثبتك على طريق الحق، وأن يشرح صدرك، وأن يجعل لك في قلوب الناس قبولًا وأثرًا لا يزول، وأن يريك ثمار دعوتك في حياتك وبعد مماتك، وأن يكتب لك الأجر مضاعفًا، وأن يجعلك من الذين قال فيهم: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [فصلت: 33].