كيف أحمي مراهقاتي اليتيمات من البريق الزائف للسوشيال ميديا؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : المراهقون
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 109
  • رقم الاستشارة : 2491
26/08/2025

أنا أرملة ولديّ بنات في مرحلة المراهقة، وبناتي يتيمات، ووضعنا المادي صعب جدًا. ونحن في مجتمع كثيرًا ما ينسى واجباته تجاه الفقراء والأيتام ولا يوفر لهم ما يحتاجونه.

رغم ذلك، يمتلكن موهبة وجمال، ويبدين حماسًا كبيرًا للحصول على المال والشهرة عبر الإنترنت.

المشكلة أنهن اقتنعن بما يشاهدنه من مشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحن يرغبن في فتح قناة وخلع الحجاب لمجرد المشاهدات والمال.

كما أنهن يتأثرن بما ينقل لهم أصدقاؤهن والمجتمع المحيط عن هؤلاء المشاهير، ويصبح هذا جزءًا من أفكارهن وسلوكياتهن اليومية. الحمل والمسؤولية في التربية لا يقع فقط عليّ كأم، فالمشاهير وما يحيط بهم من متابعين يشكلون أيضًا جزءًا من هذا التأثير.

أنا قلقة جدًا على بناتي، ولا أعرف كيف أتصرف في هذا الوضع؟

 ماذا أفعل لأوجّههن بعيدًا عن متابعة هؤلاء المشاهير؟

وكيف أحميهن من التأثيرات التي تأتي من المحيط والمجتمع المحيط بهن، مع الحفاظ على قيمهن ومبادئهن؟

الإجابة 26/08/2025

أختي الكريمة، رحم الله زوجك رحمةً واسعة، وجعل بناتك قُرة عين لكِ في الدنيا والآخرة. أقدّر ألمك وقلقك، وأتفهم حجم التحديات التي تتحملينها وحدك كأُم وأرملة مسؤولة عن بنات في مرحلة المراهقة، وهي مرحلة حساسة جدًّا في البناء النفسي والهوياتي.

 

دعيني في البداية أوضّح لك بعض النقاط التربوية والنفسية التي قد تُعينك:

 

أولًا: لا بد أن تتفهمي طبيعة المرحلة النفسية لبناتك:

 

هن الآن في طور تشكيل الهوية Identity Formation كما يصفه "إريكسون" في نظريته للنمو النفسي الاجتماعي. في هذه المرحلة، يبحثن عن القدوة والقبول الاجتماعي والشعور بالقيمة.

 

ومن الطبيعي أن ينجذبن إلى نماذج شهيرة تبدو لهن ناجحة او لامعة، لكن الخطورة تكمن في أن هذه النماذج ليست بالضرورة متوافقة مع قيمنا وديننا، بل قد تُدخل الفتيات في صراع داخلي بين الهوية الدينية والقيمية من جهة، والاندماج في ثقافة الشهرة السطحية والحصول على المال من جهة أخرى.

 

ثانيًا: أثر القدوة الإعلامية:

 

تأثير المشاهير يدخل ضمن ما يُسمّى في علم النفس بـ Social Learning Theory نظرية التعلم الاجتماعي التي وضعها "باندورا"، حيث يتعلّم الأبناء من النماذج التي يشاهدونها ويقلدونها حتى دون وعي. لذلك فالمشاهير أصبحوا "معلمين صامتين" داخل البيوت، ما لم نقم نحن بتوجيه البوصلة نحو نماذج بديلة أكثر وعيًا.

 

* وهنا يأتي دورك كأُم، ودورنا كتربويين.. والذي يكمن في عدة خطوات عملية للتربية والوقاية:

 

1- ضرورة بناء الحوار المفتوح..

 

اجلسي مع بناتك كصديقة وأصغي لهن دون انفعال أو رفض مباشر.. ناقشي معهن حقيقة هذه الشهرة، وما وراء الكواليس من معاناة وضغوط؛ فالحوار الصادق يفتح باب الثقة، وهو أساس ما يُسمّى بـ Secure Attachment التعلق الآمن الذي يخفف من انجذاب المراهق للبدائل الخارجية.

 

2- إشباع الحاجة للقبول..

 

فالمراهق يا عزيزتي، يحتاج لمن يُثني عليه ويشعره بقيمته.

 

امدحي مواهبهن، أعطيهن أدوارًا إيجابية داخل الأسرة والمجتمع، فحين يُشبع هذا الاحتياج في بيئته القريبة يقل انجذابه لمصادر التقدير الوهمية.

 

3- وأيضًا من الضروري، توجيه المواهب نحو بدائل آمنة..

 

فإن كانت لديهن مواهب في التقديم أو الإبداع، فشجعيهن على استثمارها في مجالات نافعة: مثل إعداد محتوى تثقيفي أو فني راقٍ على الإنترنت مع الحفاظ على الحجاب والهوية، مع التأكيد على أن الإبداع ليس حكرًا على التبرج. هنا نُحوِّل الرغبة في الشهرة من "خطر" إلى "فرصة" موجهة.

 

4- ولا بد أيضًا من دعم وتعزيز الهوية الدينية بشكل دائم لديهن..

 

ذكّريهن بأن الحجاب عبادة قبل أن يكون مجرد لباس. قولي لهن: إن جمالكن أمانة، والله جل وعلا قال: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾.

 

وعلّميهن أن العزّة الحقيقية ليست في كثرة المتابعين، بل في قول النبي ﷺ: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس".

 

5- ومن الضرورى جدًّا إدارة البيئة المحيطة..

 

بمعنى أن تقللي من الوقت الضائع على منصات التواصل، وأدخلي لهن بدائل نافعة، مثل: مجموعات أنشطة، دروس تنمية ذات، أو حلقات قرآن، لتتكون لهن دائرة صديقات يشاركنهن نفس القيم. هذا يدخل فيما يسميه علم النفس Environmental Structuring أو إعادة هيكلة البيئة.

 

6- القدوة هي الأم..

 

أنتِ يا أختي الحبيبة، المثل الأعلى الأول. إظهارك للصبر والقوة والثقة بالله يُعد أقوى رسالة غير مباشرة لبناتك بأن العزيمة والكرامة أثمن من أي شهرة زائفة.

 

7- اغرسي في قلوبهن أن الرزق بيد الله لا بيد المشاهدات ولا الإعلانات..

 

أكدي لهن دائمًا على معنى قول الله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾، واشرحي لهن أن الشهرة والمال امتحان عسير، قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾.

 

وأخيرًا غاليتي، كوني لهن "حضن الأمان"، فالمراهق إذا لم يجد الحضن في بيته فسيبحث عنه في الخارج.

 

ذكّري نفسك دائمًا أن الله معك، وأنك تقومين برسالة عظيمة في رعاية يتيمات، وقد قال النبي ﷺ: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى.

 

* همسة أخيرة لأختي الحبيبة القوية الصامدة:

 

التوجيه لا يكون بالقمع والمنع فقط، بل بالاحتواء والتفكير النقدي والتوجيه إلى البدائل، مع الاستعانة بالدعاء، والصبر، واليقين أن الله لن يضيعك ولن يضيع بناتك إن شاء الله.

 

حفظ الله بناتك وسترهن وجعلهن قرة عين لك في الدارين وبنات المسلمين أجمعين.

الرابط المختصر :