الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
193 - رقم الاستشارة : 2407
20/08/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا رجل متزوج منذ سنوات، والحمد لله، زوجتي صالحة وقائمة على بيتها وتربية أولادها على أكمل وجه.
أحبها وأقدرها كثيرًا، لكن يؤرقني في علاقتنا أمرٌ يجعلني أنفر منها أحيانًا، وهو كثرة شكواها وتذمرها المستمر من أمور الحياة المختلفة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة. دائمًا ما تشكو من ضيق الرزق، أو متاعب الأولاد، أو حتى من تعب الأعمال المنزلية، رغم أنني أحاول قدر استطاعتي توفير ما يلزم والتعاون معها.
هذه الشكوى المتكررة تسبب لي ضغطًا نفسيًا كبيرًا، وتشعرني بأنني مقصر دائمًا.
أُحاول الصبر على هذا الأمر، وأُذكّر نفسي بفضائلها وأخلاقها، لكن مع مرور الوقت، بدأت أشعر بنوع من النفور.
أجد نفسي أحيانًا أتجنب الجلوس معها لتجنب النقاشات السلبية، وصرت أُفضِّل قضاء وقت أطول خارج البيت. الأمر وصل إلى درجة أنني بدأت أكره العودة إلى بيتي أحيانًا.
كيف يمكنني أن أُصلح هذه العلاقة وأعيد المودة دون أن أفقد راحتي النفسية، وهل هناك حل لمثل هذه المشكلة من منظور شرعي ونفسي؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مرحبًا بك أخي الفاضل، وشكرًا جزيلًا على ثقتك فينا، وأسأل الله أن يبارك فيك وفي زوجتك وفي أسرتك، وأن يؤلف بين قلبيكما ويملأهما سكينة ومودة ورحمة، وبعد...
فالعلاقة الزوجية من أجَلِّ وأوثق العلاقات، وقد وصف الله –تعالى- العلاقة الزوجية في أسمى صورها بقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
ولا شك –أخي الحبيب- في أن زوجتك الصالحة التي تصفها بأنها قائمة على بيتها وتربية أولادها على أكمل وجه، هي نعمة عظيمة من الله. أما الشكوى التي تصدر منها فقد لا تكون ناتجة عن عدم رضا بقدر ما هي تعبير عن:
- ضغط نفسي، بسبب الأعباء المنزلية وتربية الأولاد، وهذه الشكوى هي طريقتها للتنفيس عن هذا الضغط.
- طلب الدعم والاحتواء، فأحيانًا لا تكون الزوجة بحاجة إلى سماع حلول من زوجها؛ بل إلى أُذُنه المصغية وقلبه الحنون الذي يحتضن شكواها ويشاركها همومها.
- وسيلتها اللاواعية للفت نظرك، واللغة التي تعبر بها عن احتياجها للحديث معك والاقتراب منك.
وحقيقةً، أنا لا أستسيغ هذا التقسيم -«الحلول النفسية» و«الحلول الشرعية»- لأنهما –من وجهة نظري- مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، فهما وجهان لعملة واحدة. إن الإسلام بمنهجه الشامل يُعنى بالنفس والروح والجسد معًا. فالحلول الشرعية ما هي إلا حلول نفسية في جوهرها؛ لأنها تُبنى على فهم دقيق لتركيبة النفس البشرية وحاجاتها الأساسية، والعكس صحيح؛ ومن هذا المنطلق أنصحك –أخي الكريم- بما يلي:
1- الفهم والاحتواء
في كثير من الأحيان –كما أشرت سابقًا- لا تحتاج الشكوى إلى حلول فورية؛ بل إلى أذن صاغية وقلب متفهم. عندما تشكو زوجتك من تعب الأعمال المنزلية أو غيرها، قد يكون هدفها أن تقول: «أنا بحاجة للشعور بأنك تُقدّر تعبي ومجهودي». وإن مجرد قولك لها: «أنا أقدِّر كل جهد تبذلينه لأجلنا»، أو: «أعلم أنك تتعبين كثيرًا، وجزاك الله خيرًا على صبرك»، يمكن أن يغير كثيرًا في نفسيتها. هذه الكلمات البسيطة قد تخفف من شكواها أو تمنعها؛ لأنها تجعلها تشعر بأن همومها مُقدَّرة ومُحتواة.
ولقد حثنا النبي ﷺ على الرفق بالنساء، فقال: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ اسْتَمْتَعْتَ بِهِ عَلَى عِوَجٍ» [متفق عليه]. وهذا الحديث ليس دعوة لتركها على ما هي عليه؛ بل هو دعوة لفهم طبيعتها والتعامل معها بحكمة.
2- تحويل مسار الحديث
بدلًا من أن تسمح للشكوى بأن تكون هي محور الحديث، يمكنك أن تُحوِّل دفة الحديث نحو أمور إيجابية. فعندما تبدأ زوجتك بالشكوى، يمكنك أن تقول لها بلطف: «يا حبيبتي، دعينا ننس الهموم الآن ونتذكر النعم التي أنعم الله بها علينا. فالحمد لله على صحتنا وأولادنا، أليس هذا أجمل من كل شيء؟». وتحدثا معًا عن أهمية الرضا والقناعة. قال النبي ﷺ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» [رواه مسلم].
ثم اسرد بعض المواقف السعيدة التي جمعتكما: «تذكرين يوم سافرنا إلى...؟ كم كانت أيامًا جميلة»، هذا التحويل اللطيف يُبعدكما عن جو الشكوى، ويفتح آفاقًا جديدة من الأمل والتفاؤل.
3- المبادرة بالأفعال:
إن الكلمات الإيجابية وحدها لا تكفي؛ بل يجب أن تُدعم بالأفعال. فخصِّص لزوجتك وقتًا بعيدًا عن مشاغل البيت والأولاد وضغوط الحياة، وقتًا للنزهة أو لمجرد الجلوس معًا لشرب كوب من الشاي، وقتًا يُكرَّس لها هي فقط. فكِّر في طريقة لإدخال الفرح إلى قلبها، كأن تُحضِر لها هدية ولو بسيطة، أو تُساعدها في عمل منزلي دون أن تطلب هي ذلك. هذه اللفتات البسيطة تملأ القلب بالحب، وتجعل الزوجة تشعر بالأمان والتقدير، مما يقلل من حاجتها للشكوى. فالمودة تُطفئ نار التذمر. وقد قال رسول الله ﷺ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» [رواه الترمذي].
أحد أصدقائي كان يعاني مثل معاناتك، فنصحته بأن يفاجئ زوجته كل أسبوع بهدية بسيطة، مرة وردة، ومرة قطعة من الحلوى التي تُحبها... إلخ، وفي كل مرة كان يقول لها مع الهدية كلمات طيبة، على غرار: «هذه الوردة لأجمل وردة في حياتي». وفعلًا بمرور الوقت، لاحظ أن شكواها بدأت تقل تدريجيًّا؛ لأنها شعرت بأن حب زوجها واهتمامه وتقديره أكبر من كل متاعب الحياة، وأنها لا تحتاج إلى التعبير عن تعبها بالشكوى؛ بل يكفيها أن تشعر باهتمام زوجها وتفهمه.
وهذا لا يمنع أن تفكرا معًا في بعض الحلول للتخفيف عنها، مثل مشاركتك أنت والأولاد في تحمل بعض أعباء المنزل عنها، أو تأتي لها بمن تساعدها وتخدمها (بالأجر) إن كان ذلك متاحًا، ولو من حين لآخر للقيام ببعض الأمور التي قد تكون شاقة عليها، كتنظيف المنزل وترتيبه.
4- الصبر والاحتساب
لقد مدح الله الصابرين، وجعل جزاءهم الجنة بغير حساب. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]. إن صبرك على زوجتك وعلى شكواها هو نوع من أنواع الصبر الذي تؤجر عليه، فاحتسب أجرك عند الله.
5- تذكيرها بالفضل والإحسان
يقول النبي ﷺ: «أُرِيتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ». قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ» [رواه البخاري]. فمن طبيعة المرأة أنها تنسى إحسان زوجها وفضله عند الغضب أو الشعور بالضيق؛ وهذا يوجب على الزوج أن يذكِّرها –بلطف ولين ورقة- من حين إلى آخر بما قدمه لها وبما فعله من أجلها، وأن يذكِّرها بنعم الله عليهما وعلى أولادهما التي لا تُعدُّ ولا تُحصى.
وذكِّرها –أخي الكريم- بأن الشكوى من الأقدار قد تُذهب بركة الرزق، بينما الحمد والشكر يزيدانها. قال تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]، وقال ﷺ: «مَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ» [رواه الترمذي].
6- الدعاء
ارفع يديك إلى الله متحريًا أوقات الإجابة (في السجود، وفي آخر الليل، ويوم الجمعة، وبين الأذان والإقامة... إلخ) وادعُ لزوجتك بأن يشرح صدرها، وأن يُلهمها الصبر والرضا. ادعُ الله أن يرزقكما السكينة والمودة والرحمة. فالله وحده القادر على تبديل حال القلوب.
7- تذكَّر محاسنها ومزاياها:
يقول الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]. فكراهيتك لبعض تصرفات زوجتك قد تكون اختبارًا لصبرك، وقد أقررت بنفسك بأن فيها من الصفات الطيبة الكثير: صالحة وقائمة على بيتها وتربية أولادها على أكمل وجه، وهذه والله من أفضل صفات أي زوجة التي تجعل زوجها يحبها ويقدرها ويحرص عليها ويرضيها، فكلما غضبت أو استأت من عيوبها تذكرت هذه المزايا والمحاسن، لتهدأ نفسك ويرق قلبك.
وختامًا أيها الأخ الفاضل، إن بيتك هو سكنك، وزوجتك هي شريكة دربك. فلا تسمح للشكوى العابرة أن تُفسد هذه العلاقة النبيلة. كن لها السند والأمان، واحتوِ شكواها بقلب رحيم، وعالجها بالحكمة واللين. وتذكَّر أن الحياة الزوجية ليست دائمًا وردية؛ بل هي رحلة مليئة بالاختبارات، والصبر عليها يضاعف الأجر ويُقوِّي المحبة.
توجه إليها الآن، وقل لها بلطف: «أحبك وأقدِّرك، ولكنني أتأثر كثيرًا بالشكوى المستمرة، دعينا نعمل معًا على أن نملأ بيتنا بالحمد والرضا». هذا الحوار الصادق سيفتح بابًا جديدًا للتفاهم، وستجد أن الله قد أصلح ما بينكما، وأعاد المودة إلى بيتكما.
أسأل الله أن يبارك لكما وعليكما، وأن يجمع بينكما في خير، وأن يجعل بيتكما روضة من رياض الجنة. وتابعنا بأخبارك.