رحلة العمرة والحج فرصة للتغيير الروحي والدعوي

Consultation Image

الإستشارة 22/09/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كأحد الدعاة والوعّاظ فقد عُرض عليَّ صحبة مجموعة من المعتمرين للقيام برحلة روحانية، وأود استثمار هذه الرحلة ليس فقط في أداء المناسك، بل أيضًا في تعميق التجربة الروحية للفريق الذي سيرافقني، بحيث يعود الجميع أكثر خشوعًا وتقوى وسلوكًا فاضلًا، ويصبح قادرًا على نشر الخير والدعوة إلى الله في حياتهم اليومية.

وسؤالي: كيف يمكن استثمار رحلة العمرة أو الحج عمليًّا وروحيًّا في الدعوة، بحيث تحقق أثرًا مستدامًا؟

الإجابة 22/09/2025

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد ﷺ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

فمرحبا بك أخي الكريم، ونشكرك على حرصك على استثمار هذه الرحلة المباركة في الدعوة إلى الله، ونسأل الله أن يوفقك ويكتب عملك خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعل أثر رحلتكم مستمرًّا لكم ولمن حولكم.

 

ولأهمية سؤالك وعظيم أثره في ظني -اسمح لي أن أصوغ إجابتي لك ولغيرك من الدعاة الكرام- وذلك على النّحو التالي:

 

مكانة العمرة والحج في تهذيب النفس والارتقاء الروحي

 

إن العمرة والحج من أعظم العبادات التي تهذب القلب وتنقي النفس، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ وقال الله أيضًا: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، وقد بيّن النبي ﷺ فضل الحج والعمرة في الحديث الصحيح: «الْحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ» كما ثبت في الأحاديث الصحيحة.

 

ولا يغيب عن شريف علمكم أنّ هذه الرحلة ليست مجرد أداء مناسك، بل هي فرصة لتطهير القلب وتزكية النفس، وتذكر الإنسان بخالقه، وتجديد العهد مع الله سبحانه وتعالى.

 

استثمار الرحلة في الدعوة العملية

 

يمكن توجيه الرحلة بحيث تصبح تجربة دعوية متكاملة من خلال عدة محاور:

 

1) القدوة العملية: اجعل نفسك قدوة للفريق في الأخلاق والخلق الحسن، وبيّن لهم أهمية الصدق وحسن المعاملة، فقد قال النبي ﷺ: «خير الناس أنفعهم للناس» (رواه الطبراني). كما أن الحسن في الأخلاق أثناء أداء المناسك يترك أثرًا دائمًا في النفوس ويصبح نموذجًا عمليًّا للآخرين.

 

2) الحلقات العلمية والتوجيهية اليومية: استثمر أوقات الانتظار في الفندق أو أي مكان أو السفر في عقد حلقات قصيرة لتفسير الآيات والأحاديث المتعلقة بالحج والعمرة، مثل التذكير بالنية الصالحة، وطهارة القلب، وصلة الرحم، وحسن الخلق، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

 

وأخبر المجموعة التي معك عن معاني الدعاء، والذكر، وأهمية التسامح والتعاون خلال أداء المناسك، مستشهدًا بالأحاديث الصحيحة التي تحث على حسن الخلق والتعاون: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.

 

3) الروح الجماعية والتعاون: شدد على روح الفريق، ويساعد بعضكم بعضًا في أداء المناسك؛ فالعمل بروح الجماعة يزيد من الألفة والمحبة ويجعل تجربة الحج والعمرة تجربة دعوية وممارسة عملية للخلق الحسن.

 

4) تسجيل الملاحظات والتجارب: شجع الفريق على تدوين ما يراه من مواقف ودروس خلال الرحلة، ليتم استثمارها بعد العودة في برامج دعوية أو اجتماعية.

 

نماذج عملية من التاريخ

 

- الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنه كان يرافق الحجاج ويعلمهم أحكام الحج والعمرة، مستفيدًا من كل موقف للتوجيه والإرشاد.

 

- الإمام الشافعي رحمه الله، عند السفر، كان يحرص على تعليم الركاب والمسافرين معه أمور الدين والأخلاق، فجعل السفر مناسبة تعليمية ودعوية.

 

- فضلا عن أنّ رحلة النبي ﷺ مع الصحابة في حجهم كان فيها تعليم مستمر، سواء من خلال الأفعال أو الأقوال، فقد روي أن النبي ﷺ كان يعلّم أصحابه ويتحدث معهم عن المعاني الروحية للحج والعبادة.

 

نصائح عملية للفريق الدعوي

 

1) التحضير الروحي قبل الرحلة بالقراءة والتأمل في كتب التزكية والآداب.

 

2) الالتزام ببرنامج يومي قصير للحلقات العلمية والدعوية.

 

3) الحرص على الصحبة الصالحة والتعاون الدائم.

 

4) ممارسة الذكر والدعاء معًا بشكل جماعي للفريق.

 

5) تدوين التجارب والملاحظات ليسهل نقلها بعد العودة في الدعوة العملية.

 

6) الدعاء بأن يجعل الله هذه الرحلة سببًا لتغيير النفس نحو الأفضل، ولزيادة الخير بين الناس.

 

ونسأل الله سبحانه أن يوفقك في استثمار رحلتك للعمرة أو الحج في نشر الخير والدعوة إلى الحق، وأن يجعلها رحلة روحانية حقيقية تغير النفوس نحو الأفضل، وأن يكتب لك وللفريق الأجر العظيم والقبول من الله، وأن يجعل أثرها مستمرًا في حياتكم اليومية وبين من حولكم. ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾، وَاجعلنا ياربّ من الذاكرين لك والشاكرين لك والمتقين لك.

 

روابط ذات صلة:

كيف نجعل موسم الحج منبرًا دعويًّا لإحياء القلوب وبناء الوعي؟

بعد العمرة لم أستطع الثبات.. فماذا أفعل؟

الرابط المختصر :