حين يُصاب الداعية بالفتور وضعف الهمة

Consultation Image

الإستشارة 30/09/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بدأت طريق الدعوة بحماسة بالغة، وكنت لا أتوانى عن حضور المجالس، وإعداد الدروس، ونشر الخير بين زملائي وأهلي. لكني في الفترة الأخيرة أشعر بفتور شديد، لا أستطيع أن أبذل كما كنت، بل صرت أثقل نفسيًا من القيام بأبسط الأعمال الدعوية، وأحيانًا أُرجئ بعض المبادرات إلى الغد فلا أنفذها. وهذا الأمر يقلقني كثيرًا، إذ أخاف أن يتطور بي الحال إلى ترك العمل كله، فأفقد ما بنيت في سنوات. فما السبيل إلى معالجة هذا الفتور والعودة إلى روح النشاط والإقبال؟ وهل من نصوص شرعية تدل على طبيعة هذا الفتور وكيفية التعامل معه؟

الإجابة 30/09/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بك أيها المبارك الحريص على الخير، وبارك الله لك في صدقك، فإن مجرد شكواك من الفتور علامة حياة قلبك وخوفك من التراجع عن درب الدعوة.

 

والفتور يا أخي حالة إنسانية طبيعية تطرأ على النفوس، ولا يكاد يسلم منها أحد من عباد الله، لكن الموفَّق هو من يعرف كيف يدير فتوره، ويستعيد نشاطه، ويحوّل هذه المحطة إلى تجديد لا إلى انقطاع.

 

الفتور سنة كونية في النفس البشرية

 

من طبيعة النفس البشرية أن تمر بحالات من القوة والنشاط، وأخرى من الضعف والكسل. فالفتور لا يعني الفشل، لكنه امتحان يُظهر إلى أي وجهة يتجه الإنسان حين يضعف. فإن ظل في طاعة الله ولو بحدها الأدنى، فهو على خير. أما إن جرّه الفتور إلى المعاصي وترك الطاعات، فهنا مكمن الخطر.

 

هدي النبي ﷺ في معالجة الفتور

 

النبي ﷺ علّمنا أن التوازن هو سبيل النجاة من السقوط في هوة الفتور. ففي الحديث الصحيح قال ﷺ: (خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملّوا، وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)، وهذا منهج بديع: أن تحرص على الاستمرارية ولو بعمل قليل؛ لأن الاستمرارية هي التي تبني قوة القلب وتصنع الأثر.

 

لا تعجل بقطف الثمار قبل الأوان

 

أحيانًا يكون الفتور نتيجة استعجال النتائج، أو مقارنة النفس بغيرها من الدعاة. وقد نهانا الله عن العجلة، فقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: 60]. إنما هي رحلة طويلة تحتاج إلى صبر، وفيها مد وجزر، وكل لحظة فيها لها قيمتها في ميزان الله.

 

اجعل الفتور فرصة للمراجعة لا للانسحاب

 

 

قد يكون هذا التوقف رحمة من الله لتعيد ترتيب نواياك وأعمالك. فتسأل نفسك: هل أنا أعمل لله خالصًا أم لحماس وقتي؟ هل طريقتي في الدعوة مناسبة أم تحتاج إلى تطوير؟ هذه المراجعة الروحية والعلمية تحوّل الفتور إلى انطلاقة جديدة، كما قال الله:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].

 

نصائح دعوية للتعامل مع الفتور

 

اعلم أخي الكريم أن معالجة الفتور لا تكون بالضغط النفسي أو إجبار النفس فوق طاقتها، بل تكون باللطف والحكمة. فالدواء هو أن تعود إلى القرآن فتحيا مع آياته، وتكثر من الدعاء أن يثبتك الله، كما قال أهل الإيمان: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ وكذلك أن تبحث عن صحبة صالحة تعينك، فإن القلب إذا ضعف قوي بإخوانه. ولا تنس أن تغيّر الوسائل أحيانًا، فالانتقال من مجال إلى آخر ينعش الروح. وإذا ضاقت نفسك بالأعمال الكثيرة، فابدأ بالقليل المستمر، فإنه هو الذي يثبتك ويمنعك من الانقطاع.

 

واعلم أن الانشغال بالأذكار اليومية، والمحافظة على الصلاة بخشوع، والقيام بين يدي الله في الليل، كل ذلك من أعظم ما يجدد الإيمان في القلب، ويطرد وحشة الفتور. ومن هنا كان النبي ﷺ يدعو: [يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك].

 

وختامًا: -أخي المبارك- إنّ الفتور ليس عيبًا، إنما العيب أن تستسلم له حتى يُخرجك من طريق الدعوة. فاصبر وتأنَّ، وداوم على ما تستطيع، واطلب العون من الله، فإنه لا يكلّف نفسًا إلا وسعها. واجعل من هذه الفترة جسرًا إلى تجديد روحك وهمتك، واذكر أن الله إذا علم من قلبك الصدق ثبتك، وفتح لك أبواب الخير.

 

وأسأل الله أن يرفع عنك ثقل الفتور، وأن يشرح صدرك للهدى، وأن يجعل لك من كل ضعف قوة، ومن كل فتور يقظة، وأن يثبتك على الحق حتى تلقاه وهو راضٍ عنك.

 

روابط ذات صلة:

التعامل مع فتور المدعو بعد الحماسة

هل التقلب بين الطاعات والفتور دليل على ضعف الإيمان؟

فقدت لذة العبادة وأشعر بالفتور.. كيف أعود؟

لماذا يأتيني الابتلاء والفتور كلما حاولت الاقتراب من الله؟

فاقد للحماس والنشاط الدعوي.. فهل أستمر؟

الرابط المختصر :