Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : قضايا معاصرة
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 199
  • رقم الاستشارة : 2026
24/05/2025

ما موقف الشريعة من جرائم الابتزاز الإلكتروني؟ وهل يُعد من الحرابة؟

الإجابة 24/05/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالابتزاز سواء أكان ماديًّا أم إلكترونيًّا محرم شرعًا، وهو يعد من أبشع الجرائم المعاصرة، ومن أبشع أكل أموال الناس بالباطل، وصورته تهديد الناس بالمعلومات التي حصل عليها منهم طوعًا أو كرهًا للحصول على المال أو أي مكاسب أخرى.

 

وهو يمثل نوعًا من الاعتداء على حقوق الناس المادية والمعنوية، وعقوبته تختلف حسب ما يترتب عليه من آثار، فقد يؤدي أو يتسبب في موت إنسان، أو إلحاق ضرر مادي أو معنوي، ويترك للقاضي تحديد الضرر والعقوبة المناسبة له.

 

والقانون المصري يعتمد على قانون العقوبات في تجريم الابتزاز حيث نصت المادة 375 مكرر على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة الغير باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما أو استخدامه ضد المجني عليه أو مع زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، وذلك بقصد ترويعه أو التخويف بإلحاق أي أذى مادي أو معنوي به أو الإضرار بممتلكاته أو سلب ماله أو الحصول على منفعة منه".

 

والأمر يحتاج إلى تشريع خاص تغلظ فيه العقوبات بسبب ما عمّت به البلوى في عصرنا الحاضر.

 

أما جعله حرابة وقياسها عليها فيعتبر قياسًا ناقصًا، أو قياسًا مع الفارق، حيث إن الحرابة تقوم على قطع الطريق على الناس بقصد قتلهم أو أخذ مالهم أو إرهابهم بالقوة المادية، وهذا لا يملك القوة المادية، والحرابة تكون خارج المصر حيث ينقطع الغوث، والابتزاز يمكن للإنسان اللجوء إلى السلطات التي تمنعه، وتعاقبه.

 

وقد يتشابه الابتزاز مع الحرابة في التخويف والترويع، لكنه يختلف معها في باقي الأحكام.

 

يقول الإمام الماوردي -رحمه الله - في الأحكام السلطانية:

 

إذا اجتمعت طائفةٌ من أهل الفساد على شهر السلاح وقطع الطريق وأخذ الأموال وقتل النّفوس ومنع السّابلة فهم المحاربون الذين قال اللّه تعالى فيهم: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33] انتهى.

 

عقوبة المحاربين

 

وقد اختلف الفقهاء في هذه العقوبات: أهي على التخيير أم على التنويع. فذهب الشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية إلى أن "أو" في الآية على ترتيب الأحكام، وتوزيعها على ما يليق بها في الجنايات:

 

فمن قتل وأخذ المال، قتل وصلب. ومن اقتصر على أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى .

 

ومن أخاف الطريق، ولم يقتل، ولم يأخذ مالاً نُفي من الأرض.

 

والنفي في هذه الحالة عند الشافعية تعزير وليس حدًّا، فيجوز التعزير بغيره ويجوز تركه إن رأى الإمام المصلحة في ذلك.

 

وقالوا أيضًا: إنه لا يمكن إجراء الآية على ظاهر التخيير في مطلق المحارب لأمرين:

 

الأول: أن الجزاء على قدر الجناية، يزداد بزيادة الجناية، وينقص بنقصانها بمقتضى العقل والسمع أيضًا، قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى: 40]؛ فالتخيير في جزاء الجناية القاصرة بما يشمل جزاء الجناية الكاملة، وفي الجناية الكاملة بما يشمل جزاء الجناية القاصرة خلاف المعهود في الشرع.

 

يزيد هذا إجماع الأمة على أن قطاع الطرق إذا قتلوا وأخذوا المال، لا يكون جزاؤهم المعقول النفي وحده، وهذا يدل على أنه لا يمكن العمل بظاهر التخيير.

 

الثاني: أن التخيير الوارد في الأحكام المختلفة بحرف التخيير إنما يجري على ظاهره إذا كان سبب الوجوب واحدًا كما في كفارة اليمين وكفارة جزاء الصيد، أما إذا كان السبب مختلفًا، فإنه يخرج التخيير عن ظاهره ويكون الغرض بيان الحكم لكل واحد في نفسه.

 

وقطع الطريق متنوع، وبين أنواعه تفاوت في الجريمة، فقد يكون بأخذ المال فقط، وقد يكون بالقتل لا غير، وقد يكون بالجمع بين الأمرين، وقد يكون بالتخويف فحسب، فكان سبب العقاب مختلفًا. فتحمل الآية على بيان حكم كل نوع فيقتلون ويصلبون إن قتلوا وأخذوا المال، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال لا غير، وينفون من الأرض، إن أخافوا الطريق، ولم يقتلوا نفسًا ولم يأخذوا مالاً. ويدل أيضًا على ذلك: أن الله سبحانه وتعالى: بدأ بالأغلظ فالأغلظ والمعهود من القرآن فيما أريد به التخيير، البداءة بالأخف ككفارة اليمين، وما أريد به الترتيب يبدأ فيه بالأغلظ فالأغلظ ككفارة الظهار، والقتل.

 

ومن خلال ما سبق يتضح أن ثمة فارقًا بين الابتزاز والحرابة قد يتشابه معها في التخويف والترويع، لكنه يختلف معها في باقي الأحكام.

 

والله تعالى أعلى وأعلم

الرابط المختصر :