تجارب الزواج الفاشلة هل تصنع الخوف والوحدة؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
  • القسم : الطلاق وتبعاته
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 100
  • رقم الاستشارة : 3489
06/12/2025

كنتُ صغيرة حين دخلت تجربة الزواج، أظنها بداية حياة سعيدة، لكنها انتهت سريعًا وتركتني محمّلة بجرحٍ لا يندمل. منذ ذلك اليوم تغيّرت لغتي في الحب، وتحوّل كل معنى إلى عقدة تسكن داخلي. الحب صار عندي خوفًا، عقدة من وهمٍ قد ينهار في أي لحظة.

الراحة أصبحت حلمًا بعيدًا، أبحث عنها وكأنها شيء مفقود لا أجده إلا في وحدتي. الهدوء الذي أعيشه اليوم ليس استسلامًا، بل وعيًا مؤلمًا، عقدة بين أن يكون نضجًا أو انسحابًا. لم أعد أركض خلف أحد، لكن عقدتي أنني أخشى أن أبدو باردة أو غير مهتمة.

لم أعد أنتظر الاعتذار، ولا أصرّ على الفهم، لكن داخلي يصرخ: لماذا لم يلاحظ غيابي أحد؟ عقدة أنني لا أُقدَّر. تغيّرت لغتي في العلاقات: لا أقنع، لا أبرر، لا أشرح.

عقدة أنني تعبت من التفسير المستمر. الأمان صار أهم من الإعجاب، لكن عقدتي أنني لا أجد من يمنحني هذا الشعور. الوحدة أراها أرحم من علاقة تقتلني ببطء، لكنها عقدة تجعلني أفضّل العزلة على المخاطرة. لم أعد أريد قصة حب جديدة، بل حياة صادقة. كلمة حقيقية، لمسة آمنة، ووجه لا أحتاج أن أشرح له من أكون.

لكن عقدتي أنني لا أثق في البدايات، وأخشى أن يكون هذا الحذر حاجزًا يمنعني من أي علاقة صادقة مستقبلًا.

يا دكتورة، هل هذا التحول طبيعي بعد تجربة زواج فاشلة في سن صغيرة؟ وكيف يمكنني أن أحوّل هذه العقد من قيود نفسية إلى وعي صحي يساعدني على بناء حياة جديدة دون خوف؟

الإجابة 06/12/2025

ابنتي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.

 

نعم -يا غاليتي- ما تمرين به طبيعي جدًّا بعد تجربة زواج فاشلة في سن صغيرة.. لكنها ليست عقدًا نفسية كما تتصورين، وإنما هي وسائل حماية يقوم بها عقلك اللاواعي حتى يساعدك على التعافي الذي قطعت بالفعل شوطًا كبيرًا منه.

 

خائفة ولكن

 

أنت خائفة -يا ابنتي- خائفة من تكرار التجربة.. خائفة من الألم.. خائفة من الفقد؛ لذلك تتجنبين الناس والعلاقات وترفضين منح نفسك فرصة تعارف وخطبة لأنك تخشين من الخداع فقد تكون بداية جميلة وقوية، لكنك لا تثقين أنها ستستمر هكذا لا يوجد ضمانات مقنعة لك؛ لذلك أنت خائفة من الإقدام والحركة فتعتصمين وتحتمين بعالمك الخاص الآمن حيث أنت وحدك وحيدة فيه فلا يمكن أن يؤذيك أحد.

 

لكنك لا تشعرين بالراحة في هذا الوضع، فطبيعة الإنسان إنه كائن اجتماعي بدرجات متفاوتة وأنت حتى لا تحصلي على الحد الأدنى من الإشباع الاجتماعي تستشعرين أنك غير مرئية للآخرين، حضورك غير ملحوظ كغيابك تمامًا، ورغم أنه وضع غير مريح فإنك مستسلمة له لا تحاولين تغييره، فليس لديك رغبة أو طاقة أن تتحدثي عن نفسك أو تشرحي وتفسري شيئًا أو تبرري لأي إنسان.. ولا تنتظرين من الآخرين تبريرًا أو اعتذارًا.. حالة من التبلد الظاهرة التي لا تروقك حقيقةً ولا تعبر عنك ولكنها منطقة آمنة تستقرين فيها.

 

ابنتي الغالية، أنت تبحثين عن علاقات آمنة تزيل عنك حواجز الخوف التي تثقل روحك، وإذا وجدت نفسك بالفعل داخل دائرة آمنة فستشعرين تلقائيًّا بالراحة التي تبحثين عنها وستجدين التقدير الذي تحتاجينه.. أنت مدركة لذلك تمامًا، لكن السؤال كيف يحدث ذلك وأنت خائفة من الآخرين بعد تجربتك المؤلمة؟

 

أنت مدركة أن هناك قيودًا نفسية تحول بينك وبين البدايات الجديدة.. أنت مدركة أنك في حالة انسحاب وترغبين في تحويلها لحالة نضج واستبصارك بهذا كله يؤكد أنك واقفة بالفعل على بوابة التغيير وأنك قطعت شوطًا ملائمًا من الوقت جعلت جروحك على وشك أن تندمل لكنك بحاجة لبعض الدعم وبعض الأدوات وبعض الاستراتيجيات التي تجعلك تتجاوزين هذه البوابة.

 

العلاقة الآمنة

 

ابنتي الغالية، سأحدثك بشكل بالغ الصراحة وأقول لك إنه لا توجد ضمانات في هذه الحياة، نحن نسعى ونجتهد ونأخذ بالأسباب حتى لا نقع في علاقات تؤذينا، لكن في نهاية المطاف لا توجد ضمانات أكيدة حتى أكثر العلاقات الآمنة المريحة قد تنتهي بالفقد والغياب؛ لذلك فالعلاقة الوحيدة التي تمنح الأمان المطلق هي العلاقة مع الخالق.. العلاقة مع الله عز وجل.. هي العلاقة الشافية التي ستجعل جروحك تندمل.. هي العلاقة التي تضيء الروح فتمنحها الأمل.. هي العلاقة التي ستذهب بالخوف؛ لأنك ببساطة لن تكوني وحدك في معترك الحياة والعلاقات لأنك وقتها سترين بنور الله ولن يستطيع أحد إيذاءك لأنك في حمى الله...

 

والعلاقة بالله تعالى ليست صعبة أو مرهقة، فكل ما تحتاجينه فيها أن تلقي بقلبك المرهق والخائف بين يدي الله.. تجددين إيمانك به، ولا تندهشي فالإيمان بمرور الوقت والأزمات يفقد بريقه وحيويته وقوته الدافعة والنبي يقول: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)، توجهي له بالدعاء الصادق أن يلملم شتات قلبك، وثقي تمامًا أنه قريب سميع مجيب، وتوكلي عليه في خطواتك القادمة فلا وجود للخوف مع التوكل.. لأن التوكل يعني الأخذ بالأسباب كلها ثم تفويض الأمر لله بعد ذلك.

 

خطوات تدريجية

 

ابنتي الغالية، احرصي أن تقرئي كل يوم ولو صفحتين من القرآن الكريم مع تفسير ميسر لهما، وهذه هي رسالة الله اليومية لك فلا تتجاهليها.

 

احرصي على الذكر فهو علاج لروحك المرهقة، فقبل شروق الشمس وقبل غروبها اتركي كل الضغوط جانبًا واجلسي اذكري الله عز وجل.. لو أنك تقولين حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7 مرات يكفيك الله كل همومك، تخيلي.. عندما تقولين بسم الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء 3 مرات فإنه لا يضرك شيء أبدًا، وعندما تقولين يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث لك أصلح لي شأني كله ولا تكلني لنفسي طرفة عين لن يكون لقلقك ومخاوفك مكان وأنت تبنين خطواتك الواثقة في الحياة.. الأذكار -يا ابنتي- شفاء وعلاج ووقاية وحماية فاغتنميها.

 

* قبل أن تفكري في خطوة الزواج عليك أن تفكري في بناء دوائرك الاجتماعية من جديد.. ابدئي بعائلتك اهتمي بهم دون عتاب ودون مبالغة.. شاركي في المناسبات.. ابتسمي واسألي على الأخبار.. تحدثي عن نفسك بشكل إيجابي.. احمدي الله من قلبك.. لا تتوقعي الكثير ولا تنتظريه ولا تتحسسي، فالكل مشغول في حياته، وفي العلاقات دائمًا هناك غابة من الرماديات وليس علاقات مشبعة 100% أو علاقات فارغة 0% ومن مجموع العلاقات المتنوعة نملأ كوبنا العاطفي، فقد تمنحك علاقتك بعائلتك أنس 10% لا بأس أفضل من اللاشيء، وقد تتطور علاقتك بصديقة منهن لم تكوني تلتفتين لها من قبل.

 

* نفس الأمر كرريه مع زميلات العمل.. جارات السكن.. الصديقات القدامى .. مع البحث عن صداقات جديدة وعلاقات جديدة.. خطوات صغيرة هادئة تدريجية الهدف الأساسي منها استعادة حياتك الاجتماعية دون خوف وملء كوبك العاطفي بالتدريج ولو 10% في كل دائرة علاقات.

 

ومن خلال علاقات آمنة ومريحة ويسهل الخروج منها إذا كان هناك ما يزعجك فيها.. لكن لا تتعجلي الخروج من علاقة، وامنحي كل علاقة الفرصة كاملة، وكوني على يقين أنه لا توجد علاقات كاملة أو قريبة من الكمال، لكنا نتغافل عن بعض الأمور لأن النفع أكبر من الضرر.

 

إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِبًا ** صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه

 

فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ **  مُقارف ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه

 

إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِرارًا عَلى القَذى **  ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه

 

الزواج الثاني

 

ابنتي الغالية، لا تتعجلي في الزواج الثاني.. تريثي قليلاً حتى تشعري بالاستقرار والتعافي النفسي وتقل مخاوفك وتجدي نفسك قادرة على إقامة علاقات آمنة.. قادرة على الأخذ والعطاء.. قادرة أن تعبري عن نفسك.. قادرة على التغافل ولا تتحسسي من كل موقف وقتها تكونين قادرة على خوض بداية جديدة على أسس ثابتة قوية.. قادرة على بداية لا يظللها الخوف.

 

هناك فارق -يا غاليتي- بين الحذر والخوف، الحذر لا يمنعك من الفعل لكن يجعلك هادئة متريثة منتبهة، إنما الخوف يقيدك ويجمدك ويجعلك واقفة في مكانك عقلك تدور فيه عشرات الأفكار وغير قادرة على ممارسة فكرة واحدة منها.

 

إذا شعرت –غاليتي- بقدرتك على تقبل الناس وإقامة علاقات دون قلق فأنت مستعدة للتفكير في زواج جديد.. أنت لست وحدك في الاختيار، أنت متوكلة على الله، مفوضة له أمرك، لكنك امرأة حذرة تأخذ بالأسباب.. اختاري ببطء ووعي واحترمي تجربتك السابقة ولكن لا تجعليها أغلالاً.

 

فضي الاشتباك الفكري في عقلك، فليس معنى أن هناك رجلاً سيئًا أن جميع الرجال سيئون، وليس معنى أنك أسأت الاختيار مرة أنك ستسيئين الاختيار في الثانية.. لقد كنت صغيرة قليلة التجربة أما الأن فأنت ناضجة قطعت شوطًا طويلاً في التعافي واستطعت بالفعل أن تستعيدي قدرتك على إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين وأصبح لديك مهارات تقييم متقدمة ولكنها مرنة وليست حادة، والأهم من ذلك أن لديك ثقة أن الله معك ولن يضيعك.

 

معايير الاختيار

 

ابنتي الغالية، هذه المعايير التي سأذكرها لك بالغة الأهمية فعليها أن تكون متحققة بنسبة لا تقل عن 70% قبل أن توافقي على الزواج الثاني، من ذلك:

 

* معيار الخلق والدين، وهذا أهم معيار -يا ابنتي- والمسألة ليست شكلية وإن كان هناك أمور ظاهرة كالصلاة والسمعة الطيبة.. على ولي أمرك أن يسأل عليه كثيرًا.. أنصتي له ولكلامه هل تستشعرين صدقه.. صلي صلاة استخارة وفوضي أمرك لك واتبعي مشاعرك.

 

* لا بد من فترة خطبة طويلة نسبيًّا حتى يطمئن قلبك ولتكن عامًا هو فيها تحت التقييم وإن لم تخبريه بالطبع بذلك.. تحدثي إليه في موضوعات عامة، اعرفي أفكاره وتوجهاته.. اسأليه عن رأيه في الترندات الاجتماعية التي تحدث بين الفترة والأخرى، فهو لن يجدد مبررًا للكذب وسيتحدث بتلقائية وعفوية بينما لو سألته أسئلة مباشرة قد يتجمل.. اسأليه بين الحين والآخر أسئلة مباشرة خاصة في التفاصيل الحياتية المهمة.

 

* راقبي مواقفه وقت الغضب، ففي هذه المواقف لا يتجمل الإنسان ويقول ما في قلبه.. راقبي نقده لك.. قارني بين دعمه ومدحه لك وبين نقده، فلا بد أن يكون المدح يفوق الذم والنقد بنسبة تصل لـ3 أضعاف كحد أدنى في وقت الخلاف.. لا نريد الرجل الذي يتحول أثناء الخلاف.

 

* قيمي مميزاته وعيوبه ويمكن تسجيلها في دفتر، فمثلاً دعمك في موقفك.. قّدم لك هدية.. اهتم بالسؤال عنك هذه إيجابيات، في المقابل أخلف وعده.. كذب كذبة صغيرة.. تجاهل غضبك، هذه سلبيات، تتبعي ذلك كل 3 شهور، إذا كانت كل 5 مميزات يقابلها سلبية واحدة فهذه علاقة آمنة مع مراعاة الوزن النسبي لكل ميزة وعيب، فقد تكون هناك إيجابية تعادل 3 لأنها مهمة جدًّا، مثلا لا يتركك تنامين وأنت حزينة فهذه لا تقابلها سلبية أنه يتأخر عن موعدة 10 دقائق مثلا هل تفهمينني؟ لكن سلبية أنه يهدد بالرحيل وقت الغضب هذه تقيم بـ10 وعلامة خطر شديدة.

 

* بعد مضي ما لا يقل عن 6 شهور على الخطبة اسألي نفسك هل أشعر بالأمان معه؟ هل أشعر بالارتياح في وجوده؟ هل أنا ما زلت أعاني من التحسس؟ هل ما زلت معتقلة في تجربتي السابقة؟ إذا شعرت أنك قد تحررت من الخوف وأنك تشعرين بالأمان والارتياح معه فتوكلي على الله عز وجل وادعيه أن يوفقك في خطوتك القادمة.. كتب الله لك الخير كله، وتابعيني بخطواتك.

 

روابط ذات صلة:

قصص الفاشلين تخيفني من الزواج.. اعقليها وتوكلي

فشلت بخطوباتي وحياتي بلا قيمة.. أريد حلاًّ!!

الرابط المختصر :