Consultation Image

الإستشارة 19/04/2025

في ظل الحياة في بلاد الغربة، يقف الآباء والأمهات أمام تحدٍ كبير: كيف نزرع في قلوب أبنائنا حب الإسلام والاعتزاز بهويتهم، دون أن يشعروا بالعزلة أو الغربة عن مجتمعاتهم؟ كيف نوازن بين تأصيل القيم الدينية وبين التعامل الواعي مع الواقع الجديد الذي يحيط بهم؟

الإجابة 19/04/2025

السائل الكريم، بارك الله فيك، وأشكرك على طرح هذا السؤال المهم الذي يعكس وعيك ومسؤوليتك تجاه أبنائك وتجاه أمانة التربية التي حمّلك الله إياها.

 

ومما لا شك فيه أن تربية الأبناء في بلاد الغربة تُعد تحديًا كبيرًا، لا سيما في ظل التباين الثقافي، والانفتاح الواسع، والتأثيرات المختلفة التي قد تؤثر في عقيدتهم وسلوكهم وهويتهم الإسلامية.

 

لكن، أبشـر! فإن الله جل وعلا قد أودع في الفطرة حب الدين، وجعل التربية الحسنة مفتاحًا للثبات، وما دمت تسأل وتبحث عن الحلول، فهذا دليل على أنك تسير في الطريق الصحيح بإذن الله.

 

وإليك بعض النقاط المهمة حول الحفاظ على هوية الأبناء والبنات في بلاد الاغتراب، ومنها ما يأتي:

 

1) الارتباط الوثيق بالهوية الإسلامية: فاجعل البيت هو القلعة الحصينة التي تنمو فيها هوية الطفل، وذلك من خلال غرس حب الله ورسوله في قلوبهم، وتعريفهم بجمال الإسلام ووسطيته وسماحته، بعيدًا عن التلقين الجاف، وازرع لديهم الاعتزاز بدينهم وهويتهم، وعلِّمهم أن الإسلام ليس مجرد عبادات، بل منهج حياة شامل.

 

2) القدوة الصالحة والتطبيق العملي: فالأبناء يتعلمون بالمشاهدة أكثر مما يتعلمون بالكلام، فكن أنت وزوجتك قدوة صالحة لهم في الأخلاق، والسلوك، والالتزام بالقيم الإسلامية، وحسن التعامل مع غير المسلمين، مما يرسّخ لديهم هويتهم الإسلامية بطريقة طبيعية وجذابة.

 

3) تحصين اللغة العربية: فاللغة العربية ليست مجرد وسيلة تواصل؛ بل هي وعاء الدين والثقافة، فاحرص على أن تكون اللغة العربية لغة التخاطب في البيت، وأن يعتاد الأبناء على سماع القرآن بها، مما يقوّي ارتباطهم بدينهم وهويتهم.

 

4) التربية على الوعي بدلاً من العزلة، وإنّ من بينِ الأخطاء التي يقع فيها بعض الآباء في الغربة إما الانعزال التام أو الاندماج الكامل، وكلاهما خطر على الهوية. فلا تحرم أبناءك من التفاعل مع المجتمع، ولكن كن متيقظًا لمصادر التأثير، وزوِّدهم بالحصانة الفكرية التي تجعلهم يميزون بين الحق والباطل.

 

5) بناء صحبة صالحة وإحاطتهم ببيئة معينة: فحاوِل أن تساعد أبناءك على تكوين صداقات مع أطفال مسلمين ذوي أخلاق حسنة، وشاركهم في الأنشطة التي تقام في المساجد والمراكز الإسلامية، حتى يشعروا بالانتماء لمجتمعهم الإسلامي رغم بعدهم عن الوطن.

 

6) المتابعة الذكية لا الإجبارية القاتلة؛ فلا تكن متحكّمًا بشكل زائد في حياة أبنائك، بل استخدم أسلوب الحوار الهادئ والإقناع، واستمع إلى آرائهم، وافتح لهم المجال للنقاش، فهذا يقوّي لديهم الثقة بأن الإسلام هو دين العقل والحكمة، وليس دين الإكراه.

 

7) توجيه استخدام التكنولوجيا في عصـر الإنترنت ووسائل التواصل، فمن المهم أن تكون هناك رقابة واعية على المحتوى الذي يتعرض له الأبناء، دون أن يكون ذلك بطريقة منفّرة، بل ببدائل إسلامية جذابة، مثل قنوات إسلامية للأطفال، وتطبيقات تعليم القرآن، وقصص الأنبياء المشوقة.

 

8) إحياء الأجواء الإسلامية في المنزل: بحيث تحتفل معهم بالأعياد الإسلامية، وخصص وقتًا للأسرة يوم الجمعة لقراءة القرآن وسماع قصة نبوية أو حلقات في السيرة النبويّة، ونظِّموا رحلات إلى المراكز الإسلامية والمساجد، حتى تكون هذه الأجواء جزءًا من ذكرياتهم الجميلة.

 

9) التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب: فإنه مهما فعلت، فلن تستطيع حماية أبنائك بقوتك وحدها؛ بل لا بد من التوكل على الله، والدعاء لهم بالثبات والهداية، فكم من أبناء نشأوا في بيئة غير مسلمة وثبّتهم الله بسبب دعاء والديهم.

 

وعلى هذا فإنّ الهوية تبدأ من البيت، فوازِنوا بين الانتماء والاندماج، واصنعوا لهم بيئة بديلة صالحة، وقوموا بتعزيز لغة الحوار المفتوح، وكونوا لهم القدوة المُلهمة..

 

وختامًا، أبشِـر ولا تيأس!

 

ولا تقلق ولا تستسلم للمخاوف؛ فإنَّ التربية في أيّ زمان ومكان ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة. وكل ما عليك هو أن تقوم بدوْرك بكل حكمة وصبر، ثم تفوّض الأمر إلى الله، وأسأل الله أن يجعل أبناءك قرة عين لك، وأن يحفظهم من كل فتنة، وأن يرزقهم الاستقامة والثبات على دينهم في أي مكان كانوا.

الرابط المختصر :