الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الابتلاءات والمصائب
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
166 - رقم الاستشارة : 2874
05/10/2025
أنا شابة عندي27 سنة، كنت مخطوبة وفسخت من حوالي سنة. والتجربة دي سببت لي ألم كبير، ولسه مأثرة عليا لحد دلوقتي.
بقيت أشك في نفسي وفي إني ممكن أتجوز بعد كده. بالرغم إني الحمد لله مَا عملتش أي حاجة غلط تغضب ربنا في فترة الخطوبة، ومكنتش أنا السبب الأساسي في الفسخ، بس فيه إحساس بالخجل والخسارة مسيطر عليا، كأني ارتكبت جريمة، وعايزة أبعد عن الناس.
هل اللي حصل لي ده ابتلاء من ربنا وتكفير ذنوب؟ وهل تفكيري ده صح عشان أخفف من جلد الذات؟
وإزاي أقدر أداوي قلبي وأحس بالأمان والثقة في نفسي تاني؟ وما أعيش دور الضحية؟
مرحبًا بك ابنتي الفاضلة، وشكرًا جزيلًا لك على مراسلتنا وثقتك بنا، وأسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يطمئن قلبك، ويجبر كسرك، وييسر أمرك، ويرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، وأن يجعلك من أسعد النساء في الدنيا والآخرة، وبعد...
أعلم يا بُنيتي أن فسخ الخِطبة مؤلم وموجع، وطبيعي أن تشعري بكل هذه الأحاسيس المختلطة من الخسارة والخجل والتأثر. فلقد كنتِ ترسمين في مخيلتك حياة جديدة، وبنيتِ آمالًا، وفجأةً تهدَّم جزء أصيل من هذا البناء. ولكن يجب أن تستيقظي من هذا الألم على نور الإيمان بأنَّ ما اختاره الله لك هو الخير، وأنَّ هذه التجربة المؤلمة ما هي إلا خطوة في طريق قدرك الجميل الذي ينتظرك بإذن الله.
هل ما حدث ابتلاء وتكفير للذنوب؟
إن كل ما يمر به المؤمن في حياته من ألم أو حزن أو ضيق، هو في حقيقته ابتلاء وامتحان من الله، إما لتكفير السيئات، وإما لرفع الدرجات، وإما لكشف العبد أمام نفسه، ليعلم أين هو من الإيمان الحق، وكل ابتلاء لا يخلو من حِكَم ورحمات لا يدركها العقل البشري القاصر.
فإذا صبرتِ واحتسبتِ الأمر عند الله، وصدر منك الرضا والتسليم، فإنَّ الله يبشرك: ﴿ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155- 157]. ويقول -تعالى- أيضًا: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]. وهذا يعني أنَّ أجرك ليس له سقف ولا حدود.
ويقول النبي ﷺ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حَزَنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكةِ يُشَاكهَا، إِلَّا كفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» [متفق عليه]. فهذا الألم الذي تشعرين به الآن يتحول في صحيفتك إلى مغفرة وتطهير، فهل هناك ربح أعظم من ذلك؟!
ويقول ﷺ أيضًا: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» [رواه الترمذي].
إياك وجلد ذاتك
إن ما حدث يا ابنتي هو قدر الله، فعلامَ تجلدين ذاتك وتلومين نفسك؟! وكونك لم ترتكبي خطأ يُغضب الله في فترة الخِطبة فهو فضل عظيم لك، وهذه شهادة لنفسك تستحقين عليها الفخر لا الخجل. إن الخجل الذي تشعرين به الآن ليس له أي مبرر شرعي أو اجتماعي سليم، فالفسخ قد يحصل لأسباب خارجة عن إرادة الطرفين، وليس شرطًا أن يحدث لعيب ما في أي منهما، وربما كان خيرًا لك -أو له- ألا تكتمل هذه الزيجة.
فلنضمد جراحنا ونثق بأنفسنا
إن رحلة التعافي بعد الفسخ تتطلب منك قرارًا واعيًا بتجنُّب العيش في دور الضحية، والبدء في بناء الذات من جديد. وأنصحك بالتالي:
1- التوكل وحسن الظن بالله:
فوِّضي أمرك كله لله، وتذكري قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 2 و3].
ثقي تمامًا أنَّ الله اختار لك الأفضل، وأن الرزق الجميل قادم. يقول النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» [متفق عليه]. فظُنِّي بالله خيرًا، وأنه -تعالى- سيُعوضك.
2- الخروج من العزلة:
لا تبتعدي عن الناس؛ بل على العكس، اختلطي بأهلك وصديقاتك المقربات الصالحات. إنَّ العزلة تزيد من جلد الذات وتضخم المشاعر السلبية. شاركي في نشاطات اجتماعية أو تطوعية، فهذا يُعيد لك الإحساس بالقيمة والكفاءة.
3- تذكَّري مزاياك وإنجازاتك: أحضري ورقة وقلمًا واكتبي كل ما تتقنينه؛ صفاتك الجميلة (كالطاعة، والالتزام، والأخلاق، والنجاح الدراسي أو المهني). ركزي على قيمتك الحقيقية التي لا ترتبط بوجود أحد في حياتك؛ لتعلمي أنك قادرة على الاستمرار في النجاح وتحقيق الكثير بعون الله.
4- استثمري في ذاتك: ابدئي في تعلم مهارة جديدة، أو تطوير هواية، أو قراءة كتب نافعة، أو ممارسة رياضة ما، فهذا الاستثمار يملأ الفراغ ويُشعرك بالقوة والإنجاز.
5- ترك دور الضحية: العيش في دور الضحية يعني التوقف عن الحركة وإلقاء اللوم على الظروف. أنتِ لستِ ضحية؛ بل أنتِ ناجية من تجربة لم تكن مناسبة لك. قولي لنفسك: «لقد كنتُ قوية في هذه التجربة، وخرجتُ منها بنقاء وثبات، وأنا مستعدة للمرحلة القادمة». وانظري إلى فسخ الخطبة كـ«باب أُغلق ليُفتح بابٌ أفضل منه».
5- الإيمان بأن الزواج رزق وقدر:
إن الزواج مثله مثل المال والصحة، هو رزق مقدَّر ومكتوب. فلا تشككي في نفسك ولا في قيمتك. ومثلك كثيرات مررن بتجارب فسخ، وربما تكون متعددة، ووفقهن الله أخيرًا ورزقهن الأزواج الصالحين الذين قدرهم لهن.
وختامًا يا ابنتي، امسحي دمعك، وارفقي بقلبك، أنت لم ترتكبي جريمة؛ بل أنتِ مؤمنة صابرة مررتِ بتجربة، والآن لديك فرصة عظيمة لتعيشي فترة نضج روحي وعاطفي تجهزين فيها نفسك لمستقبل أفضل. ثقي في اختيار الله، وأحسني الظن به، وطوري من ذاتك، واستمتعي بحياتك الآن، وسترين كيف سيفتح الله لك أبواب رحمته ورزقه.
تذكري قول النبي ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاك لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكرَ فَكانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا لَهُ» [رواه مسلم].
وفقك الله وأعانك ورعاك وحفظك وأسعدك، ورزقك كل ما تتمنين من خير.
روابط ذات صلة:
تركها خطيبها فانهارت نفسيًّا.. برنامج للتعافي
ما تأثير عقدة الذنب على بناء الأفكار؟