لتقوية الإيمان والثبات.. خريطة طريق لطالب مغترب

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الابتلاءات والمصائب
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 103
  • رقم الاستشارة : 3226
08/11/2025

السلام عليكم ورحمة الله،

أنا طالب مغترب في أوروبا، لي سنتين تقريبًا. الجو هنا مادي بحت، والدراسة ضاغطة مرَّة.

المشكلة إني وحيد روحانيًا، ما ألقى صحبة صالحة تعينني على الذكر والعبادة، وما فيه أحد حولي يذكرني بالله أو يشجعني على الخير. المساجد بعيدة ومحدودة.

كيف أقدر أقوِّي إيماني، وأخليه حي في قلبي في ظل هالبيئة، وأنا مضغوط بالدراسة والغربة؟

أبغى خطوات عملية ومحددة عشان ما أفتُر أو أنجرف.

الله يجزاكم خير وينفع بكم.

الإجابة 08/11/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك يا ولدي، وأشكرك جزيل الشكر على ثقتك بنا، وعلى مشاركتنا هذا الهم النبيل الذي يعكس صفاء قلبك، وحرصك على دينك رغم كل التحديات. أسأل الله العلي القدير أن يُثبت قلبك على دينه وطاعته، وأن يُعينك في غربتك ودراستك، وأن يجعل كل جهد تبذله في تحصيل العلم والإبقاء على إيمانك في ميزان حسناتك، وأن يرزقك الصحبة الصالحة التي تقر بها عينك في القريب العاجل، وبعد...

 

فإن الله -سبحانه وتعالى- لا يترك عباده وحدهم في مواجهة الفتن؛ بل يهيئ لهم ويرشدهم إلى المعينات والسبل التي تحفظ عليهم دينهم، وتنجيهم من تلك الفتن.

 

ولكي تحافظ على قلبك حيًّا متّقدًا بالإيمان، ولتنجح في معركتك ضد الفتور والانجراف، إليك هذه الخطوات العملية المفصَّلة:

 

1. تقوية حبل الوصل مع الله

 

هذا هو الركن الأساسي في ظل انعدام أو ندرة المعين الخارجي. وذلك عن طريق:

 

- الذِّكر الدائم (درع المؤمن): اجعل لسانك رطبًا بذكر الله قدر استطاعتك؛ خصوصًا في أوقات الفراغ والتنقل، فهذا هو خير الأعمال وأزكاها. قال رسول الله: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟»، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى» [رواه الترمذي].

 

فحافظ على أذكار الصباح والمساء، وما بعد الصلوات، وأذكار الأحوال كلها، واجعلها عادة لا تتخلى عنها.

 

- مصاحبة القرآن (المؤنس والهادي): اجعل لنفسك وردًا يوميًا ثابتًا من القرآن الكريم لا تفرِّط فيه، ولو صفحة واحدة، فإن «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» [رواه مسلم].

 

ركِّز على التدبُّر ولو لآية واحدة؛ اقرأ التفسير الموجز لها، واجعلها شعارك في يومك. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [سورة الأنفال: 2].

 

- قيام الليل والدعاء (شرف المؤمن): استغل وحشتك في الغربة لتحولها إلى خلوة محبَّة مع ربِّك. قم ولو بركعة واحدة بعد صلاة العشاء أو قبل الفجر.

 

ادعُ الله بصدق أن يرزقك الثبات والرفقة الصالحة، وادعُ لنفسك وللمسلمين المغتربين. قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [سورة البقرة: 45].

 

2. البحث عن الصحبة الصالحة

 

نعم، إن الصحبة الصالحة ضرورة للتصبر والعون على الطاعات، يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [سورة الكهف: 28]. وبما أنها نادرة، فعليك بـصناعتها واكتشافها، وذلك عن طريق:

 

- استخدام التكنولوجيا: ابحث عن حلقات قرآن أو مجالس علم عبر الإنترنت تكون منتظمة. انضم لمجموعة ملتزمة بمتابعة برنامج عبادي (أذكار، ورد قرآني، قراءة كتاب إيماني... إلخ).

 

- البحث الميداني: حاول أن تذهب إلى المسجد ولو مرة في الأسبوع (صلاة الجمعة مثلًا) وحاول التعرُّف على أي طالب ملتزم هناك، وتبادل معه طرق التواصل. حتى لو كان بعيدًا، يمكن أن تكون صحبتكم عبر الهاتف للتشجيع على الطاعة.

 

كذلك، ابحث عن الأنشطة الطلابية التي تُقام من قِبل الجاليات الإسلامية أو المراكز الإسلامية القريبة.

 

3. تنظيم الوقت

 

إن الغربة والدراسة ضاغطتان، لذا يجب أن يكون الإيمان جزءًا من جدولك المرسوم:

 

- استغل الأوقات القصيرة للعبادة والذكر: فترة الانتظار، المشي بين المحاضرات، قبل النوم بدقائق. هذه الدقائق الصغيرة المتراكمة تصنع فارقًا كبيرًا.

 

أثناء المذاكرة، إذا شعرت بالإرهاق، فلا تذهب لتصفح الإنترنت فورًا؛ بل قم وتوضأ وصلِّ ركعتين أو سبِّح بضعًا من المرات، لتجمع بين الراحة الجسدية والروحية.

 

- تحويل الدراسة إلى عبادة: انْوِ بدراستك رفع الجهل عن نفسك وعن أمتك، ونفع المسلمين، فهذا يحوِّل عملك الدنيوي إلى عبادة تؤجر عليها، ويمنحك الدافع للمثابرة والثبات. قال ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» [متفق عليه].

 

4. الخوف والرجاء (ميزان القلب)

 

- تذكر فضل الاستقامة: تذكَّر دائمًا عظيم أجر المستقيم في زمن الفتن. النبي ﷺ قال عن الصبر على الدين في آخر الزمان: «لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» [رواه أبو داود]. فأنت الآن من هؤلاء يا بني، فاستشعر هذا الأجر في كل لحظة تعب أو مشقة.

 

- الخوف من سوء الخاتمة: البيئة المادية يمكن أن تسحب القلب شيئًا فشيئًا، فتذكر أنك في اختبار، وأن عاقبة الانجراف وخيمة. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [سورة المنافقون: 9]. فاجعل الدراسة وسيلة لا غاية، ولا تجعلها تلهيك عن ذكر الله.

 

وختامًا يا ولدي، تأكد أنك لست وحيدًا ما دام الله معك. إن شعورك بالوحشة الروحانية هو همس من قلبك يقول لك: اتجه إلى الله، فأقبل عليه بكل ما أوتيت من قوة.

 

وإن تحمُّلك لضغط الدراسة والغربة مع الحفاظ على إيمانك لهو شرف لا يناله إلا الأصفياء، وهو قوة تجعلك قدوة لأهلك ولمن سيأتي بعدك. اصبر وثابر، فإن مع العسر يسرًا، وسيفرج الله كربك، وينير دربك، وستعود لأهلك سالمًا ظافرًا في الدنيا والآخرة بإذن الله.

 

أسأل الله أن يحفظك بعينه التي لا تنام، وأن يجعلك من الذين قال فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [سورة فصلت: 30].

 

وفقك الله وسدد خطاك.

 

روابط ذات صلة:

فقدان شغف وملل.. خطة لإعادة الروح للحياة الإيمانية والزوجية

كيفية تأسيس بيئة إيمانية لأبناء الجيل الثاني في الغرب

كيف أحافظ على حجابي وإيماني في وجه ضغوط المجتمع؟

حين تضيق الدنيا من كل الجهات.. كيف أثبت على الإيمان؟

الرابط المختصر :