الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
32 - رقم الاستشارة : 3558
12/12/2025
مقاومة الشيخوخة أصبحت تكلف البشرية الكثير من الأموال والانشغال.. لماذا يصر الإنسان المعاصر أن يدفع الشيخوخة عن مصيره رغم أنها آتية هل يرتبط ذلك بتأثيرات للفلسفة المادية؟
أخي الكريم، سؤالكم في الحقيقة يجمع بين الرؤية الوجودية للإنسان في هذا الكون، ورغبته في أن تكون الحياة الدنيا دار خلود دائم، وهذا الخلود يتوافق مع الشباب الذي يرمز للقوة والعنفوان والبهجة والتمتع بالملذات، ويتناقض مع الشيخوخة التي هي مرحلة الذبول، والتي تذكر الإنسان بأن صفحته ستُطوى عما قريب، ولن تستطيع أي قوة علمية أو مادية أن تمنع هذا الزحف للموت.
الشيخوخة أزمة وجودية للفكر والفلسفة المادية؛ لأنها تطرح التساؤلات الكبرى حول معنى الحياة، والموت، والمصير بعد الموت، وهي أسئلة كبرى لا تستطيع المادية أن تجيب عليها ولا أن تفكر فيها.
وأمام تلك الأزمة الوجودية التي تشكلها الشيخوخة للفكر المادي، لم تجد المادية أمامها إلا السعي للهروب من الشيخوخة، أو تأجيل أوانها، أو حتى التحايل على علاماتها من شيب وضعف ونسيان، من خلال صناعة الوهم بأن هناك أطعمة ومكملات وأدوية تقاومة الشيخوخة وتكافحها.
يقول الطبيب الأمريكي البارز "أتول غواندي" في كتابه "الإنسان الفاني": "إن البيولوجيا تفرض قيودها على الإنسان، ولا مهرب منها، وكلما تقدم الطب والعلم في دراسة الخلايا أيقن بحقيقة الفناء، وأن الموت لا يمكن مدافعته".
اقتصاديات الشيخوخة
المرأة من أكثر الفئات الإنسانية المستهدفة بوهم مكافحة الشيخوخة، حيث تتلاعب الشركات الكبرى والحملات الدعائية بتمنيات النساء، في تأبيد لحظة الشباب ومكافحة التجاعيد والبقاء الدائم للأنوثة وجاذبيتها، ومن تلك الثغرة نفذت المصالح التجارية والربحية لترويج مستحضرات التجميل والمكملات الغذائية وعمليات التجميل.
وقد وصل الأمر ببعض الشابات الصغيرات أن يحقنّ أنفسهن بحقن البوتكس كنوع من الوقاية من الشيخوخة، وكانت الدعاية لتلك الحق هي "إذا بدأتِ باستخدام البوتكس، الذي يُجِّمد التجاعيد، في سن مبكرة، فلن تظهر لديكِ تلك الخطوط التي يحاول الناس «تصحيحها» لاحقًا في الحياة"؛ لهذا كان الكثير من النساء في سن الأربعينيات هن الأكثر لجوءًا لتلك الحقن.
يشير تقرير صدر في أكتوبر 2025 إلى أنه من المتوقع أن يبلغ حجم الإنفاق على سوق الأدوية البروتينية (منها البروتكس وبعضها يستخدم في الحفاظ على الشباب ومقاومة الشيخوخة) حوالي (665.7) مليار دولار أميريكي بحلول عام 2029م، وهو مبلغ ضخم للغاية.
وفي تقرير صدر في سبتمبر 2025 عن سوق أدوية الشيخوخة أن هذا السوق ارتفع في عام 2025م إلى أكثر من (60) مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يصل إلى (89) مليار دولار عام 2029م، حيث من المتوقع أن يشكل من عمرهم فوق الستين عامًا أكثر من 15% من البشرية.
الإحصاءات الأمريكية الرسمية -مثلاً- تشير إلى أن 7.2 مليون أمريكي ممن تزيد أعمارهم عن الـ(65) عامًا يعانون من أمراض منها الزهايمر، أو الخرف الناجم عن الشيخوخة، هذا العدد الضخم يشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد الراسمالي، لكن من الناحية الأخرى، فإنه يطرح أسئلة أخلاقية وتساؤلات وجودية، وربما هذا ما طرح على العقل ضرورة مكافحة الشيخوخة، والاحتفاظ بالطاقة والحيوية حتى مع تقدم العمر.
الطب العاجز أمام الشيخوخة
قضية مكافحة الشيخوخة باتت قضية عالمية، مطروحة على بساط النقاش والبحث في أغلب الدول، فالكثير من الأبحاث والدراسات العلمية تسعى لوقف هذا الزحف على عمر الإنسان وحيوته، وكان الحل المطروح هو ضرورة إبطاء زحف الشيخوخة، والحد من التدهورات الصحية والعقلية المرتبطة بتقدم العمر، حتى تأتي لحظة الموت.
يقول "أتول غواندي" في كتابه "الإنسان الفاني": إن الإنسان في نهاية عمره يحتاج إلى العطف أكثر من العلاج، وأنه لا حيلة للطب أمام هذا الفناء المحتوم، والطبيب ينظر مندهشًا عاجزًا إلى هذا الجسد الشائخ الذي يتفانى أمامه، ولا يستطيع أن يقدم له شيئًا، بل إن الطبيب يجد نفسه في وضع العاجز أمام تلك اللحظة المصيرية؛ لذلك تشير الإحصاءات في الولايات المتحدة إلى أن أكثر من 97% من طلاب الطب لا يدرسون أي مقرر بعنوان طب الشيخوخة؛ لأن جهدهم فيه سيؤول إلى الفشل مع المصير المحتوم.
روابط ذات صلة