التحديات الدعوية في التعامل مع الأطفال والمراهقين الرقميين

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. عادل عبد الله هندي
  • القسم : الدعوة الإلكترونية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 109
  • رقم الاستشارة : 3280
12/11/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا معلمة قرآن في مركز صيفي، وألاحظ أن الأطفال والمراهقين اليوم لديهم عقلية مختلفة تمامًا عن الأجيال السابقة، بسبب انغماسهم الكامل في العالم الرقمي (الألعاب، المؤثرون، وسائل التواصل).

كيف يمكنني أن أصوغ خطابًا دعويًّا وتربويًّا يخاطب عقلية هذا "الجيل الرقمي"؟ وما الموضوعات التي يجب أن أركز عليها لغرس القيم الإسلامية فيهم؟ وهل يمكنني استخدام أدواتهم (مثل الألعاب التعليمية، أو القصص التفاعلية) كوسيلة للدعوة دون أن أُضفي على الدين طابعًا ترفيهيًّا أو سطحيًّا؟ أشعر أن الموعظة التقليدية لا تُجدي نفعًا معهم. أرجو منهجًا عمليًّا للتعامل مع هذه الفئة الحساسة. جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 12/11/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك أيتها المعلمة المربية الفاضلة، وشكر الله لك حملك همّ تربية الجيل الناشئ، الذي هو أغلى ما نملك. إن التعامل مع "الجيل الرقمي" يتطلب الانتقال من "التلقين" إلى "التجربة والتفاعل"، وأسأل الله أن يرزقك الحكمة في التربية وأن يجعل منك جيلاً صالحًا.

 

وللإيجاز فإن استشارتكم تدور حول "فقه التربية الدعوية للجيل الرقمي"، والذي يقوم على مبدأ: لا يمكنك أن تمنعهم من العصر، لكن يمكنك أن تعلمهم كيفية التفاعل الإيجابي معه، ومنهجية دعوة الأطفال والمراهقين الرقميين يجب أن تقوم على دمج التقنية واللغة العصرية مع ثوابت الدين، لتقديم الدين كـ "منهج حياة جذّاب".

 

اللغة والمحتوى المناسبان للعقلية الرقمية

 

1) لغة الحوار لا الإلقاء: العقل الرقمي لا يستجيب للأوامر المباشرة، بل للحوار الذي يحترم فضوله. استخدمي أسلوب "الاستكشاف" و"حل المشكلات" لتعليمهم.

 

2) التركيز على القيم لا التفاصيل: ركّزي على غرس القيم الكبرى التي يحتاجونها في عالمهم الرقمي:

 

* رقابة الله (الإحسان): غرس مفهوم أن الله يراهم حتى خلف الشاشات، وأن الإخلاص لله هو الأمن من الفتن. قال تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى) والأدلة على المراقبة كثيرة للغاية.

 

* المسؤولية الرقمية: تعليمهم فقه "اللغة والأخلاق في العالم الافتراضي" (عدم السخرية، حفظ اللسان، غض البصر الرقمي).

 

* إدارة الوقت: تعليمهم فقه أولويات الوقت وكيفية الموازنة بين وقت الشاشة ووقت العبادة والدراسة.

 

3) القصص المصورة والسريعة: استبدلي بالقصص الطويلة قصصًا قصيرة مصورة (Comics)  أو مقاطع فيديو قصيرة، تكون فيها شخصياتهم المفضلة في مواقف تُعلّم قيمة دينية.

 

استخدام أدواتهم (الدمج الإيجابي)

 

يجب ألّا يكون العالم الرقمي مناهضًا للدعوة؛ بل يجب ترويضه لخدمتها.

 

1) مثل: الألعاب التعليمية والتفاعلية: استخدمي الألعاب والتطبيقات التعليمية التي تعلمهم القرآن والحديث بطريقة ممتعة ومبنية على "التحفيز والنقاط" (Gamification) بنظام اللعب المعهود تربويًّا ورقميًّا؛ فهذا يحاكي لغة الألعاب التي يحبونها.

 

2) إنشاء مجتمع افتراضي إيجابي: كوّني لهم "مجموعات إلكترونية آمنة" (على منصات مناسبة) حيث يمكنهم التفاعل مع بعضهم البعض تحت إشرافك، ومشاركة إنجازاتهم وتقديم النصح. هذا يعزز "البيئة الحاضنة" البديلة عن البيئات السلبية.

 

3) القدوة الرقمية: علميهم فن اختيار "المؤثرين والنماذج الرائدَة" و"القدوات الصالحة" على الإنترنت. وأنتِ كمعلمة، يجب أن تكوني "مؤثرة" على المنصة المناسبة بطريقتك (بالحجاب والوقار والعلم).

 

منهجية التربية الروحية (الإحساس بالدين)

 

يجب تجاوز الترفيه إلى غرس الروحانية.

 

1) حلاوة العبادة: ركّزي على الشعور بحلاوة الصلاة وقراءة القرآن، وليس مجرد أدائها كواجب. فالعقل الرقمي يبحث عن "الإحساس بالانجاز" فاربطي العبادة بهذا الإحساس.

 

2) تحديات الخير: قومي بتنظيم تحديات دعوية قصيرة وواضحة (مثال: تحدي 7 أيام لترك ذنب رقمي، أو تحدي حفظ 5 آيات)، ووفِّري لهم مكافآت بسيطة ورمزية (كمكافأة الإنجاز). هذا يحفزهم على التنافس في الخير، قال تعالى: (وفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) والتنافس في الخير هو هدف شرعي.

 

ختامًا:

 

أيتها المعلمة البصيرة، كوني "جسرًا" يربط بين أصالة الدين وعصرية هذا الجيل. لا تخافي من استخدام أدواتهم، بل استخدميها بحكمة وذكاء. كوني صديقة ومستشارة لهم، يسمعون منكِ بقلوبهم قبل آذانهم. واعلمي أن الدعاء لهم بصدق هو أعظم أداة تربوية، وأسأل الله أن يبارك في علمك وجهدك، وأن يجعل هذا الجيل الناشئ من حفظة دينه والعاملين به، وأن يحفظهم من فتن العصر والملهيات الرقمية، وأن يجعل لكِ في كل طفل ومراهق اهتدى على يدك أجرًا عظيمًا.

 

روابط ذات صلة:

موازنة الأصالة والجاذبية في صناعة المحتوى الدعوي الرقمي للشباب

التعليم الرقمي للأطفال والشباب.. كيف أُحقق أثرًا دعويًّا فعّالاً؟

الدعوة الرقمية.. التحديات والفرص بين الشباب

الرابط المختصر :