الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
43 - رقم الاستشارة : 1441
26/03/2025
لدي مشكلة من نوع غريب.. أنا يتيمة الأم والأب وكنت أعيش مع جدتي التي توفيت من أيام.. أنا عمري ثلاثة وعشرين عاما جامعية على قدر من الجمال عندما، توفي والداي إثر حادث أليم تركوا لي ثروة كبيرة وأيضا تركوا لي أختًا أكبر مني معاقة .. هي بوجه عام هادئة ويمكن تركها وحدها مع الطعام وطبعا لا نترك أمامها شيء خطير..
المهم وحتى لا أطيل عليكم في الفترة الأخيرة تقدم لي عريسان ليس فيهما ما يعيب ولكنني رفضتهما لأن لدي هاجس أن من يتقدم للزواج مني سيكون طامع في الثروة الكبيرة وإلا ما الذي يجبره على الزواج من فتاة تحمل هم فتاة معاقة...
بعد وفاة جدتي تحدث إلي خالي واقترح أن نرسل أختي لمصحة كبيرة طبعا هو لم يكن يجرؤ على هذا الطرح لو جدتي كانت حية.. المشكلة أنني ورغم كل شيء أشعر بالميل لهذا الحل ولكن ضميري غير مرتاح ولكن هذا الحل يضمن لي عريس غير طامع في ثروتي.. فما رأيكم؟
ابنتي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في الشبكة الإلكترونية للاستشارات..
بداية تقبلي خالص العزاء في وفاة جدتك غفر الله لها ورحمها رحمة واسعة.. ما رأيك يا ابنتي أن أجيبك عن سؤالك الأخير: هل غياب أختك عن المشهد يضمن لك حقًّا عريسًا غير طامع في ثروتك؟ من أين أتيت بهذا المنطق؟ ما هو مصدر الطمع.. إنه الثروة وليس أختك أليس كذلك؟
صدقيني يا ابنتي لا يوجد في هذه الحياة ضمانات.. نحن نسعى.. نأخذ بالأسباب ثم نتوكل على الله، هل تفهمينني؟ لا يوجد شيء مضمون تمامًا أو سلوك لو قمنا به لتحقق ما نرغب به تماما.. لذلك لا يوجد بديل عن التوكل الله الذي يعلم السر ويعلم ما يدور بالقلوب، والذي لو توكلت عليه حق التوكل لكفاك حتى هواجسك.
لذلك أريدك وأدعوك أن تفكي الارتباط بين رعايتك لأختك وبين وجود عريس طامع أو غير طامع.
هاجس الطمع
أنت فتاة جامعية جميلة، ولا شك لدي أنك فتاة خلوقة في العمر الذهبي للزواج، فلماذا تظنين أن كل متقدم لك هو طامع في ثروتك؟ هناك سببان وراء ذلك:
السبب الأول هو ما تملكينه من ثروة، وهو السبب الذي سيظل قائمًا حتى لو تخلصت من أختك، وأنا سأحدثك بصورة واقعية تمامًا وأقول لك إنه سبب إضافي يشجع على الزواج منك، وفي الحديث النبوي: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك"، فهذه هي الأسباب الأربعة المحتملة للسعي وراء الزواج، والحديث يرشد أن يكون الدين هو الأولوية لكنه لا ينفي باقي نقاط القوة التي قد تحوزها المرأة كجمالها مثلا وهو متوفر عندك وكمالها أيضًا وهو أيضا متوفر عندك، ولعلك ذات حسب فيجتمع فيك كل الصفات المميزة التي قد تجعل أحدهم يتقدم لك.
ستقولين لي أليس الذي يرغب في مال المرأة هو رجل طامع، أقول لك بنيتي قد يكون كذلك وقد لا يكون.
قد لا يكون طامعًا، ولكن إذا تعرض لظروف يعلم أن هناك من تستطيع أن تسانده.. قد لا يكون طامعًا لكنه يريد لأبنائه أن يكونوا من الموسرين.. قد لا يكون طامعًا ولكنه يرى أن ظروف الحياة القاسية تحتاج المشاركة.. قد لا يكون طامعًا لكنه يستشعر جاذبية أن يتزوج فتاة ثرية.. المعيار الفاصل هو الدين، وقبل أن أطالب برجل صالح يتقي الله عليّ أن أكون أنا نموذجًا للفتاة الصالحة التي تتقي الله عز وجل {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّه}، فإذا أردته صالحًا خلوقًا يتقي الله فيك فكوني أنت نموذج المرأة الصالحة القانتة لله، وهذا أمر يتطلب منك أن تبذلي جهدًا وتدريبًا ومجاهدة للنفس، وثقي أن جزاء الإحسان هو الإحسان.
الأمر الثاني الذي يجعلك تعانين من هاجس الطمع هو وجود أخت لك من ذوي الاحتياجات الخاصة تحتاج رعايتك، ولعلك تتساءلين في نفسك ما الذي يجبر شابا غير طامع أن يتحمل مثل هذه الظروف؟
ولكن ألم تسألي نفسك كيف تتزوج المطلقة والأرملة وهي ترعى بدلا من الطفل أطفالاً؟ يا ابنتي هذه أرزاق يقسمها رب العالمين ولم تنعدم الرحمة بعد.. ولكن حتى لو فكرنا بها بالحسابات المادية فشباب كثير ذوو خلق ودين لكن ظروفه المادية محدودة ويرغب في الزواج.. هو ليس طامعًا في ثروتك ولكن ظروفه في اللحظة الراهنة لا تسمح له بشراء شقة، فما المانع أن يتزوج في بيت تملكه زوجته؟ حتى لو شاركتهم في البيت فتاة بريئة لا ذنب لها في مرضها (بالمناسبة هي تملك مثل ما تملكين).
توكلي على الله
لذلك يا ابنتي إذا جاءك رجل توسمت فيه الصلاح ومدحه من حولك وشعرت بالارتياح القلبي له وقبل برعايتك لأختك؛ فنحي هواجسك جانبًا، واقبلي به، ولا مانع من فترة خطبة مناسبة يطمئن فيها قلبك، وتذكري أن السيدة خديجة رضي الله عنها كانت سيدة ثرية ولديها أبناء صغار وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يملك المال وإنما لم يكن طامعًا فيها (حاشاه)، وساعدها في تربية أبنائها، وظل يذكر لها أنها واسته بمالها..
وانتبهي جيدا فهناك فارق شاسع بين المواساة بالمال وبين المنّ به، فإياك إياك أن تتزوجي وأنت تتشككين في نوايا زوجك، ثم إياك إياك أن تدعميه ببعض المال ثم تمني عليه بذلك فإنك بذلك تدمرين حياتك الزوجية.
أنت وأختك
ابنتي الحبيبة، أختك لم يعد لها بعد الله تعالى سواك، فقدت في البداية والديها ثم هاهي تفقد الجدة الحنون.. وهي قد اعتادت منذ طفولتها المبكرة أن تعيش في أجواء البيت، فهي كما ذكرت هادئة لا تؤذي أحدًا فمن أين خرجت فكرة التخلص منها وتركها في مصحة؟
هذه الفكرة أنت لا تستسغينها ولا يستسيغها ضميرك وإنما هي حسابات المصلحة الضيقة جدًّا.. أتعلمين كيف سينظر إليك زوجك المستقبلي وعائلته وقد تخليت عن أختك.. ناهيك أن هذا لن يصد عنك طمع الطامعين كما بينت لك من قبل بالعكس ربما يمنحهم مبررًا لابتزازك كونك أنت نفسك لم تتحملي أختك صاحبة الظروف الخاصة، وبالتالي فأنت تستحقين الابتزاز في رأي هؤلاء.. والعكس صحيح ترتفع قيمتك الإنسانية في عيون الآخرين بتحملك لمسئولية أختك المريضة..
هذا عن الناس، أما رب الناس فالجزاء عنده مختلف تمامًا، فكل ما تقومين به من جهد هو صدقة يضاعفها لك رب العالمين أضعافًا كثيرة، والجزاء ليس في الآخرة فقط وإنما في الحياة الدنيا أيضًا {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}، فالحياة الطيبة هذه تكون في الحياة الدنيا فيرزقك الزوج الصالح غير الطامع دون كثير جهد ومشقة ويرزقك السعادة معه ويرزقك أبناء يبرونك وتقر عينك بهم، وهكذا بعملك الصالح مع أختك.
والأمر حبيبتي ليس صعبًا، وبإمكانك أن تستغلي المال في جعل حياتك وأختك سهلة، فيمكنك أن تستأجري مساعدة تقضي معها فترة النهار وتتابع شئونها تحت إشرافك وبوجود كاميرا مراقبة حتى لا تسيء إليها فيكون دورك إشرافيًّا ولا تقضي كثيرًا من الوقت والجهد معها وفي الوقت نفسه تكون في بيئتها الآمنة التي اعتادت عليها.. فارفعي عن عقلك فكرة المصحة وحافظي عليها وانتظري الأجر من رب العالمين، أسعد الله قلبك ورزقك زوجًا صالحًا عاجلاً غير آجل، وأسعد كل أيامك، وتابعيني بأخبارك.