الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : العائلة الكبيرة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
15 - رقم الاستشارة : 3446
01/12/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ... حفظكم الله ورعاكم.
أنا أكتب لكم وقلبي مكسور وروحي مثقلة بالهم والغم، ولا أجد أحدًا أستطيع أن أفضفض له غيركم.
والدي –رحمه الله ويهدينا جميعًا– يمارس أفعالًا لا أفهمها، يستخدم كتبًا للجن والدجل، ويستدعيهم كما يقول.
ورغم أنه يصلي، فإن أفعالَه تؤذينا نحن أولاده، وجعلت حياتنا مليئة بالخوف والضيق. أشعر بالعجز الكامل، وأحيانًا بضعف الإيمان أمام ما يحدث.
في مرة قال لي بالحرف: «والله ما بخليكي تتزوجي»، وكأن حياته وأفعاله تمنع نصيبي وسعادتي.
حاولت أن أقول له: «الله بيني وبينك»، لكن قلبي لا زال يختنق من الخوف والظلم، وقلبي يتألم كل يوم وأنا أرى إخوتي يتأثرون أيضًا.
يا شيخ... لا أريد أن أكون جاحدة، ولا أريد أن أظلمه، لكن خوفي كبير جدًا، وقلبي منهك، ولا أعرف كيف أحمي نفسي وأحمي قلبي وروحي من تأثير أفعاله.
هل يجوز لي أن أبتعد عنه نفسيًّا وجسديًّا؟ وكيف أتصرف شرعًا مع شخص يؤذينا بهذه الطريقة ويهدد حياتي وسعادتي؟
أرجو منكم نصيحة هادئة وصادقة، تريح قلبي، لأني لا أريد إلا رضا الله، وأريد حماية نفسي وروحي دون أن أقع في ظلم.
جزاكم الله خيرًا، ورفع عنكم كل سوء، وكتب لكم الأجر.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك يا ابنتي، وأسأل الله أن يفرج همك، ويكشف كربك، ويملأ قلبك بالسكينة والأمان، وأن يهدي والدك إلى الحق والرشاد، وأن يحفظك وإخوتك من كل سوء ومكروه، وبعد...
فإن الله -عز وجل- يبتلي عباده المؤمنين بما يختار لهم بحكمته، وعزاؤنا في كل ابتلاء نمر به هو إيماننا بأنه من الله -سبحانه وتعالى- وأنه -عز وجل- لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فتذكري أن كل ما يحدث في الكون يجري بعلمه ومشيئته وحكمته، جل وعلا، وإننا إن صبرنا على البلاء وعالجناه بما أمرنا الله به، فلا شك سننجو بإذن الله، وسيكتبنا الله من السعداء، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة بإذنه تعالى.
حقيقة أفعال والدك وتأثيرها
إن الأفعال التي وصفتِها، من استخدام كتب الجن والدجل، هي من كبائر الذنوب، والتي قد تصل بمن يفعلها إلى الشرك الأكبر بالله، عياذًا به سبحانه. وذلك لأن تعلم السحر وممارسته مُحرَّم تحريمًا قطعيًّا في ديننا، وهو إضرار بالناس وتفريق بينهم، وقد ربط الله -سبحانه وتعالى- هذه الأفعال بالكفر في سياق قصة هاروت وماروت: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [سورة البقرة: 102]. ولكن تذكري دائمًا ما جاء في آخر الآية السابقة، من أن الضرر من هذه الأفعال لا يقع إلا بإذن الله، فاليقين بأن النافع والضار هو الله وحده يقطع كل خوف من هذه الأفعال.
وقد قال رسول الله ﷺ: «اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ فذكر ﷺ منهن «السحر»، تاليًا للإشراك بالله. [متفق عليه].
الرزق والزواج والأجل بيد الله
قول والدك: «والله ما بخليكي تتزوجي» هو تهديد باطل وقبيح، فالله -تعالى- هو الرازق والخالق، وقد كتب الأرزاق والآجال منذ الأزل. قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [سورة التوبة: 51]. فلا تجعلي لهذا القول سلطانًا على قلبك وعقلك؛ فمقدرات الحياة بيد الله وحده، وليس بيد أي مخلوق، مهما بلغت قوته.
كيف تتعاملين مع والدك المؤذي
القاعدة هي أن بر الوالدين واجب، ولكن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا ضرر ولا ضرار. فبر الوالدين واجب حتى لو كانا مشركين عاصيين، ما دام ذلك لا يقتضي طاعتهما في معصية الله. قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [سورة لقمان: 15]. فأنتِ مأمورة بـ«مصاحبتهما في الدنيا معروفًا»، وهذا يعني المعاملة الحسنة والكلمة الطيبة (التي لا تخالف الشرع).
وبالطبع ينبغي لك حماية نفسك، بل يجب عليك ذلك، بأن تبني أولًا حاجزًا نفسيًّا يحمي سلامتك الروحية والعقلية. فلا تسمحي للخوف بأن يتسرب لقلبك بسبب كلامه أو أفعاله. وهذا يتضمن تجنب الخوض معه في أمور الدجل والسحر، والتعبير له بأدب عن رفضك لمسلكه عندما يقتضي الأمر. ثم الابتعاد الجسدي (الهجر) إذا وصل أذاه إليك جسديًّا أو نفسيًّا إلى درجة لا تُحتمل، أو كان وجودك معه يهدد دينك أو سلامتك، فلا حرج عليك شرعًا في الابتعاد عنه جسديًّا، كالانتقال للسكن في مكان آخر إذا كنت قادرة على ذلك، ودون أن يقع عليك ضرر أكبر.
إن الشرع -يا ابنتي- يقرر مبدأ «لا ضرر ولا ضرار»، والحفاظ على النفس والعقل والدين مقدم على بر الوالدين في حال التعارض الذي لا يمكن دفعه إلا بالابتعاد. وهذا الابتعاد لا يسقط واجب الدعاء له والاطمئنان عليه بين حين وآخر، وبذل النصح له بالتي هي أحسن.
حاولي أن تفصلي بين شخص والدك وفعله الضال. ادعي له بالهداية، واعتبريه مريضًا يحتاج للعلاج من هذا الضلال.
ولا بأس في أن تطلبي دعم إخوتك إن وُجدوا، أو أقاربك الحكماء، الذين لا يؤدي تدخلهم إلى إغضاب أبيك وزيادة الضرر.
أمور عملية للحماية والتحصين:
1- المحافظة على الفرائض: كأداء الصلاة في أوقاتها، وغيرها من الفرائض الواجبة عليك.
2- قراءة القرآن بتدبر وخشوع: القرآن كله شفاء وحفظ، ولا سيما سورة الإخلاص، والمعوذتان، وكذلك سورة البقرة لما لها من تأثير عظيم في طرد الشياطين والسحر. قال رسول الله ﷺ: «اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلَة» [رواه مسلم]، و«البَطَلَة» هم السحرة.
3- أذكار الصباح والمساء والأحوال: فذِكر الله هو درع المؤمن التي تقيه من همزات وضرر شياطين الإنس والجن. ومنها: قال رسول الله ﷺ: «ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، فيضره شيء» [رواه الترمذي].
وختامًا يا ابنتي، تذكري أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأن الله أقرب إلينا من حبل الوريد. فتوكلي على الله حق التوكل، وتذكري قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [سورة الطلاق: 2 و3].
وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وجعل لك من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، وحفظك من كل سوء.
روابط ذات صلة:
تهديد علني بالسحر.. كيف أواجه الخوف؟