لماذا يحتفي اليهود بوثيقة "نوسترا آيتاتي"؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكر معاصر
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 16
  • رقم الاستشارة : 3369
20/11/2025

تابعت الشهور الماضية احتفاء اليهود بما سمي وثيقة "نوسترا آيتاتي" فما السبب الكامن وراء ذلك وما هي قصة تلك الوثيقة وعلاقتها بالحوار الديني؟

الإجابة 20/11/2025

أخي الكريم، من الضروري فهم الحركة الثقافية والفكرية في الغرب، وبخاصة ما يرتبط منها بعلاقات مع المسلمين وبمواقف من الإسلام كدين، كذلك من الضروري فهم علاقات أهل الأديان الأخرى وطبيعة العلاقات بينهم، ثم مواقف هؤلاء المشتركة تجاه الإسلام.

 

وحسب ما تفضلت به في سؤالكم فإن اليهود حسب ما ذكرته صحيفة "تايم أوف إسرائيل" في نهاية أكتوبر عام 2025م عن انتهاء اجتماع بين بابا الفاتيكان "ليو الرابع عشر" مع مئات من الشخصيات الدينية في الفاتيكان للاحتفال بمرور ستين عامًا على إصدار الفاتيكان في 28 من أكتوبر عام 1965 لوثيقة "نوسترا آيتاتي" Nostra aetate التي أصدرها البابا "بولس السادس" والتي برأت اليهود من دم المسيح عليه السلام بعد قرون من الإدانة الكاثوليكية لليهود، وهو ما حظي باهتمام يهودي كبير، خاصة أن احتفال الفاتيكان جاء بعد جمود في العلاقات بين الجانبيين عقب العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي أدى إلى اهتزاز الصورة الذهنية لليهود عالميًّا.

 

قصة وثيقة نوسترا آيتاتي

 

عقب انتهاء مجمع الفاتيكان الثاني الذي انتهي في أكتوبر 1965م، وكان بداية اجتماعاته في أكتوبر من العام 1962م، وكانت غاية هذا المجمع الثاني إحداث تجديد روحي داخل الكنيسة الكاثوليكية، وخلص إلى إدخال مجموعة من التحديثات منها التي تخفف بعضًا من التشدد في المراسم داخل الكنيسة، كنوع من التمهيد للوحدة المسيحية، إلا أن الأهم كان إصدار وثيقة "نوسترا آيتاتي"، وهي كلمة لاتينية تعني "في عصرنا"، وهذه الوثيقة تسمى بـ"إعلان علاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحية".

 

كانت الوثيقة نهجًا ولغة مغايرة عن خطاب الكاثوليكية التقليدي تجاه الأديان غير المسيحية خاصة اليهودية والإسلام، وتكونت الوثيقة من خمسة أقسام أساسية، هي:

 

القسم الأول: أشار إلى الأصل المشترك لجميع البشر كمخلوقات الله، وعدد الأسئلة العامة التي تسعى جميع الأديان إلى الإجابة عليها، منها: سؤال المعنى، والغاية من الخلق، وكيفية تحقيق السمو الإنساني، كذلك طرحت سؤال المصير بعد الموت أو إلى أين نحن ذاهبون؟

 

القسم الثاني: اهتم ببعض التقاليد الدينية – وبخاصة في الهندوسية والبوذية - والتي أنتجت إجابات عن الأسئلة السابقة، وانتهى القسم بالقول أنه: "لا ترفض الكنيسة الكاثوليكية أي شيءٍ صحيحٍ ومقدسٍ في هذه الديانات"، وأن على الكاثوليك التعاون مع أتباع هذه الديانات، حتى لو اختلفوا معهم في اعتبار يسوع المسيح "الطريق والحق والحياة".

 

القسم الثالث: اهتم هذا القسم بالإسلام مُبرزًا النقاط المشتركة بين الإسلام والمسيحية، داعيًا إلى وجوب ترك الخلافات والعداوات الماضية، والعمل من أجل العدالة الاجتماعية وتعزيز القيم الأخلاقية.

 

القسم الرابع: وهو الأطول، وتناول اليهود كشركاء للمسيحية، وأن اليهودية هي أصل المسيحية، واعتراف لليهودية بأنها لا تزال دينًا قائمًا "في نظر الله" كما جاء في نص الوثيقة، وبرأت اليهود من دم المسيح وقتله، مخالفًا قرونًا من استقرار فكرة مسؤولية اليهود عن دم المسيح، وأن على المسيحيين ألا يعتبروا اليهود ملعونين أو منبوذين من السماء.

 

القسم الخامس: وهو يشبه الخاتمة، ودعا المسيحيين إلى رفض التمييز على أساس "العرق، أو اللون، أو حالة الحياة، أو الدين".

 

وثيقة تبرئة

 

تم الترويج لوثيقة "نوسترا آيتاتي" على أنها أحدثت ثورة في علاقة الكنيسة الكاثوليكية أو الفاتيكان بغيره من الأديان وبخاصة اليهودية والإسلام، لكن الحقيقة أن غاية الوثيقة ليست صك إعتراف كاثوليكي بالإسلام كدين، ولكن الغاية كانت تبرئة اليهود -في الاعتقاد المسيحي- من المسؤولية عن دم المسيح، واتهامهم الذي امتد لقرون بأنهم هم قتلة المسيح.

 

قالت تلك الوثيقة عن اليهود: "إن الله يُقدّر اليهود أشد التقدير من أجل آبائهم؛ فهو لا يندم على عطاياه ولا على دعواته"، حيث خصصت الوثيقة فصلها الرابع والأهم للحديث عن اليهود، وبناء على الوثيقة أصبحت زيارة بابوات الكاثوليكية للمعابد اليهودية "لا حرمة فيها"، لكن الأهم من تلك الزيارة هو أن الكنيسة أصبحت ملتزمة بمكافحة معاداة السامية، وأكد الفاتيكان أن عهد الله مع اليهود لم ينقض أبدًا.

 

وعندما تولى البابا الجديد للفاتيكان "ليو الرابع عشر" كرسي البابوية في 8 مايو 2025م أعلن في اليوم التالي لتوليه منصبه بمواصلة تعزيز التعاون مع اليهود، وقال: "بسبب الجذور اليهودية للمسيحية، فإن جميع المسيحيين لديهم علاقة خاصة مع اليهودية... ويظل الحوار اللاهوتي بين المسيحيين واليهود مهمًّا على الدوام وقريبًا من قلبي".

 

روابط ذات صلة:

ما هو اللاهوت؟

لماذا تحذر الكاثوليكية من الإسلام في أوروبا؟

عاقبة اللاتسامح

ما مفهوم التسامح؟ وهل نحتاج إليه؟

نظرية المؤامرة.. حقيقة أم وهــم؟

الرابط المختصر :